الأربعاء، 1 أبريل 2009

القوامة في الحياة الزوجية الحق والحقوق











الكلمة الطيبة تنبت حباً، والحب يبعث الحياة، والحياة الزوجية بلا حب لا تستقيم، والرجل مكلف شرعاً بإسماع زوجته الكلام الطيب ومعاملتها بأسلوب راقٍ، لذا نجد القرآن الكريم وكذا السنة النبوية المطهرة، توصي الرجل، لا بل توجب عليه، احترام وتقدير زوجته، فالمعاشرة بالمعروف واجبة شرعاً، وهي من مقومات نجاح الحياة الأسرية.
فقد جعل الله سبحانه وتعالى للرجل حق القوامة في الحياة الزوجية، فقال عز وجل: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" سورة النساء، آية 34. فهو يتحمل مسؤولية الكيان العائلي، بالمبادرة إلى تأسيسه حيث يطلب يد الفتاة، ويدفع المهر، ثم هو المتكفل بالإنفاق على متطلبات الحياة للأسرة، وهو المتصدي لحمايتها والدفاع عنها.
وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة، فالرجل في موقع يتيح له التزام هذه المسؤولية وتحملها، من حيث قوته الجسدية، وطبيعته النفسية المؤهلة أكثر لتحمل المشاق والأعباء، وتوفير نفقات الحياة. بينما تمتاز المرأة برقة الجسد ونعومته، وبما تمتلك من فيض الحنان والعاطفة، الذي يؤهلها للقيام بدور الأمومة العظيم.
فهناك امتيازات وخصائص متقابلة بين الزوجين، وليس هناك امتياز مطلق لأحدهما على الآخر، بل نقاط قوة عند كل منهما تجاه الآخر، وبمشاركتهما وتكاملهما تتحقق سعادتهما ويؤديان دورهما الإنساني الاجتماعي.
وقوامة الرجل على المرأة في الحياة الزوجية تكليف قبل أن تكون تشريفاً، وفي المقابل، فإن الواجبات الملقاة على عاتقه تجاهها، تكون لها بعض الصلاحيات وأهمها أن حق الطلاق بيده، ما لم تشترط هي في العقد وكالتها عنه في طلاق نفسها، حيث تشاركه بموجب هذا الشرط في حق الطلاق، وهو ما يسمى بتفويض المرأة عصمة الطلاق.
وللزوج حق الاستمتاع وهي تشاركه في ذلك، لكن صلاحيته أوسع، كما أن له التحكم في أمر خروجها من المنزل. لكن هذه الصلاحيات الممنوحة للرجل من خلال موقع القوامة في الحياة الزوجية، لا يصح أبداً أن تتحول إلى تسلط وقهر، وإلى استضعاف للمرأة وإساءة لكرامتها. ولأن ذلك كثيراً ما يحدث من بعض الأزواج تجاه زوجاتهن، فقد جاء تأكيد في آيات عديدة، وأحاديث كثيرة، لأهمية مراعاة حقوق الزوجة المادية والمعنوية، والتعامل معها باحترام وإحسان.
النظرة الشرعية للمعاملة بالمعروف:
تؤكد أكثر من آية في القرآن الكريم أن تعامل الزوج مع زوجته يجب أن يكون في إطار المعروف، وتكرر ذلك في اثني عشر موضعاً من القرآن الكريم منها: يقول تعالى:
1/"وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" سورة البقرة، آية 228.
2/"فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ سورة البقرة"، آية 229.
3/ "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ" سورة البقرة، آية 231.
4/ "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" سورة البقرة، آية 233.
5/ "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" سورة النساء، آية 19.
6/ "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ" سورة الطلاق، آية 2.
والمعاشرة بالمعروف تعني أن تكون مخالطة الرجل ومعاملته لزوجته بأسلوب لائق، منسجم مع تعاليم الشرع الحكيم، مما أمر الله تعالى أو سن رسوله محمد عليه السلام وأعراف المجتمع.
قال الطباطبائي في تفسير الميزان: (المعروف هو الذي يعرفه الناس بالذوق المكتسب من الحياة الاجتماعية المتداولة بينهم).
وقال السيد السبزواري: (إن لهن من الحقوق فيما تعارف بين الناس على الرجال مثل ما للرجال عليهن. ولم يذكر سبحانه وتعالى ما هو الثابت على كل واحد منهما، وإنما أوكله إلى ما تعارف عليه الناس، ليشمل جميع ما يتعلق بحسن المعاشرة والخلق الحسن، وما ورد في الشرع وما يحكم به العقل، فإن جميع ذلك من المعروف. وقد كرر سبحانه وتعالى هذا اللفظ في الآيات المتعلقة بالنكاح والطلاق اثنتي عشرة مرة لبيان أن جميع ذلك من سنن الفطرة، وشؤون المجتمع الإنساني، وهي تختلف باختلاف الأعصار والأمصار والمجتمعات). وقال الشيخ السعدي النجدي: "وعاشروهن بالمعروف" وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال.
أما في السنة الشريفة، فقد وردت أحاديث وروايات كثيرة توصي الأزواج بحسن المعاشرة مع زوجاتهن. ففي صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فاستوصوا بالنساء خيراً». وعنه صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله».
وعنه صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخيارهم خيارهم لنسائهم». وعنه صلى الله عليه وسلم: «أوصاني جبرائيل بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة».
وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (الصادق): «ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟» قال: «يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها». وقال: «كانت امرأة عند أبي تؤذيه فيغفر لها».
وفي المقابل، فإن هناك نصوصاً وتعاليم تؤكد على الزوجة حسن المعاشرة لزوجها، ومعاملته باحترام، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها». وعنه صلى الله عليه وسلم: «ويل لامرأة أغضبت زوجها، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها».
إن المعاشرة بالمعروف بين الزوجين تعني شيئين: أولاً: أن يؤدي كل منهما للآخر حقوقه ضمن مستوى المتعارف في المجتمع، وليس ضمن الحد الأدنى، فنفقة الزوجة مثلاً، تكون حسب المتداول لأمثالها في المجتمع. وثانياً: الاحترام المتبادل، مما يرتبط بالجانب المعنوي، فلا يجوز إيذاء الزوجة بجرح مشاعرها أو إهانتها وإذلالها بغير حق، كما لا يجوز للزوجة خدش احترام زوجها وكرامته.
ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه، وإن صامت الدهر، وقامت وأعتقت الرقاب، وأنفقت الأموال في سبيل الله، وكانت أول من ترد النار، ثم قال: وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إذا كان لها مؤذياً ظالماً».
ولا يقف الأمر عند حدود التحريم الشرعي واستحقاق الإثم عند إيذاء الزوجة، بل أقر الإسلام إجراءات رادعة، للانتصاف للمرأة وحماية حقوقها، إذا كان الزوج معتدياً مسيئاً، لأن الدين لا يسمح أن تبقى المرأة مستضعفة فريسة لاضطهاد الزوج غبر الملتزم بأوامر الله تعالى.
قال الفقهاء: إذا كان الزوج يؤذي زوجته ويشاكسها بغير وجه شرعي، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، ليمنعه من الإيذاء والظلم، ويلزمه بالمعاشرة معها بالمعروف، فإن نفع وإلا عزّره بما يراه، من توبيخ أو ضرب أو ما أشبه، فإن لم ينفع أيضاً كان لها المطالبة بالطلاق، فإن امتنع منه ولم يمكن إجباره عليه طلقها الحاكم الشرعي. والآيات القرآنية واضحة في أن الحالة المشروعة المقبولة للحياة الزوجية هي المعاشرة بالمعروف، وإلا فهو إنهاء العلاقة والتسريح بإحسان.
وهكذا، فلا بد أن يتبنى كلا الزوجين أن الحياة الزوجية لا يوجد فيها طرف خاسر وآخر رابح، بل لا بد أن يكون الجميع فيها رابحاً.













0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية