الأحد، 8 نوفمبر 2009

خطة أمريكا للتعامل مع وصول الجيش للحكم في مصر




ستيفن كوك هو واحد من أهم الخبراء الأمريكان في الشئون المصرية.. يسعي دائما إلي أن يري الجانب الذي لا يراه الآخرون.. وتبدو كلمته عادة.. شديدة الدقة والعقلانية.. وسط سيل من الكلام الفارغ الذي لا يصل بنا لشيء مفيد.. ستيفن كوك هو واحد من خبراء مجلس العلاقات الخارجية.. وهو مركز أمريكي مستقل للدراسات السياسية.. يعد مصدرا رئيسيا يعتمد عليه صناع القرار ورجال الأعمال والقادة في الولايات المتحدة.. ويصدر تقارير دورية ترصد أحداث العالم.. وتربطها.. وتحللها.. وتقرأ منها كل ما يمكن أن يهدد المصالح الأمريكية في العالم.. الآن.. أو في المستقبل.



أعد ستيفن كوك ورقة بحثية شديدة الأهمية.. حملت عنوان :"الاضطراب السياسي في مصر".. كانت تلك الورقة تقرأ ما يمكن أن يحدث في مصر علي المدي القريب.. لتوعية الكونجرس ورجال الحكومة الأمريكية بالأزمة السياسية التي يمكن أن تمر بها مصر، حليف الولايات المتحدة المهم، في الفترة القادمة التي ستشهد انتخابات رئاسية لا يعرف أحد ما الذي يمكن أن يحدث "بعدها".. هل تستقر الأمور للرئيس الجديد.. أم تنقلب الحسابات كلها بوصول الإسلاميين.. أو الجيش إلي الحكم.






لقد انطلق ستيفن كوك من الأزمة الرئاسية التي ستواجه مصر حتما في الفترة القادمة.. قال إن كل ما يحدث في مصر الآن يشير إلي أنها ستشهد اضطرابات سياسية عنيفة قد تصل إلي حد الفوضي في الفترة القادمة.. وبالتحديد ما بين 6 و 18 شهرا.. وهي اضطرابات قد تصل بمصر إلي أي شيء.. وقد تدفع بلاعبين جدد علي الساحة السياسية.. وأهمهم.. الجيش.






وضعت الورقة سيناريوهين لاسباب وأشكال تدخل الجيش في عملية اختيار الرئيس القادم لمصر.






كان السيناريو الأول.. المباشر.. هو الذي يتصور أن يقوم الجيش بانقلاب عسكري صريح علي الرئيس الجديد.. سيكون الرئيس في هذه الحالة رئيسا مدنيا.. لا ينتمي إلي المؤسسة العسكرية.. سواء كان جمال مبارك أو غيره.. سيعلن الجيش انقلابه علي الرئيس المدني الجديد، لو شعر أنه يهدد بأي شكل من الأشكال، ذلك الرابط الحيوي.. والعلاقة المتينة التي تربط المؤسسة العسكرية بمؤسسة الرئاسة.. وهي العلاقة التي وصلت إلي أقصي حد لها مع قيام ثورة يوليو، ولم تنقطع طيلة حكم الرئيس مبارك لمصر.






أما السيناريو الثاني.. والأخطر.. فهو ذلك الذي يتصور وصول الجيش إلي الحكم علي الرغم من تأييده للرئيس الجديد.. كانت تلك هي الحالة التي يصل فيها جمال مبارك او غيره للحكم.. بدعم من التعديلات الدستورية الأخيرة.. ولكن، دون أن تدعمه باقي القوي الموجودة في النظام.






إن حكم مصر ليس سهلا.. والسيطرة علي كل أجهزة الحكم امر لا يقدر عليه إلا رجل تجتمع فيه مقومات المرونة السياسية.. والقدرة علي إدارة كل المصالح المتصارعة تحت حكمه.. خاصة في الفترة التي تأتي بعد نهاية حكم.. وبداية عهد جديد.. رأي ستيفن كوك، أن أي رئيس جديد، ضعيف نسبيا.. أي عاجز عن السيطرة علي صراع أجنحة الحكم، أو التعامل مع التحديات التي تواجه بلدا بحجم مصر.. هو رئيس يمكن أن يصل بالبلاد إلي كارثة محققة.






رئيس جديد ضعيف.. يعني تزايد قوة المعارضة ضده.. يعني ظهور نخبة جديدة من رجال السياسة تزداد قوتهم أمامه يوما بعد يوم.. يعني سحب البساط من تحت قدمي رئيس لا يعرف كيف يحتفظ بأرض ثابتة تحت قدميه.. ولا كيف يستخدم كل عناصر القوة الموجودة في بلاده لتدعيم قوته.. لو تزايدت قوة المعارضة.. والمقاومة للرئيس الجديد.. فلن يجد أمامه سوي اللجوء للحل الأسهل.. والأسوأ.. وهو استخدام قوة الأمن وحدها.. لفرض إرادته علي الجميع.






دخول قوات الأمن الداخلي إلي ساحة السياسة سيشكل نقطة فارقة.. فالأمن.. مثله مثل باقي القوي الموجودة في البلاد، يعرف جيدا مدي قوة أو ضعف من يتعامل معه.. ويحدد مدي نفوذه علي هذا الأساس.. بعبارة أخري.. فإن الأمن، مثله مثل المعارضة، سيزداد نفوذا وقوة في وجود رئيس ضعيف. ويقول كوك.. إن وزير الداخلية المصري وقتها، قد ينجح في مواجهة كل التهديدات الداخلية التي تهز عرش الرئيس، لكنه قد لا يتردد أيضا في محاولة اكتساب مزيد من النفوذ، وتوسيع سلطاته أمام اعتماد رئيسه الكامل عليه.






لو حاول وزير الداخلية اكتساب مزيد من السلطات، فلن يقف الجيش ساكنا يتفرج عليه.. لن يسكت الجيش علي تزايد نفوذ وزير الداخلية وتراجع نفوذ رئيس البلاد المدني أمام نجاح وزيره في سحق معارضته.. ولن يسكت الجيش أيضا لو حدث العكس.. أي لو فشل الأمن في مواجهة المعارضة المتزايدة للرئيس.. ليصبح حكم مصر كله في خطر.






هنا لن يتردد الجيش في التدخل في حكم مصر.. لن يتراجع عن القيام بدوره الوطني الأول.. وهو حماية البلاد من أي أخطار تتعرض لها.. لكن الأخطار هذه المرة ستكون أخطار داخلية.. لا خارجية.. فلا يوجد ما هو أخطر من رئيس عاجز عن إدارة ما تحت يده..ولا يتخيل ما يمكن أن يأتي لمواجهته فيما بعد.






لكن.. توتر علاقة الجيش بالرئيس.. لا يمكن أن تكون وليدة لحظة.. ولا أن تتفجر فجأة دون سابق إنذار.. لقد وضع كوك.. مجموعة من المؤشرات التحذيرية.. علامات إنذار مبكر يمكن أن نقرأ منها أن الجيش لا يرضي عن الرئيس القادم الجديد لمصر.. أهم هذه المؤشرات كما يقول، ستظهر فور انتخاب الرئيس الجديد.. فلو تأخر الجيش في إعلان تأييده الرسمي للرئيس.. كان ذلك يعني نوعا من أنواع إعلان التحدي ضده.. ولا أحد يمكنه أن ينكر.. أنه لو قرر الجيش تحدي الرئيس فلن تتردد باقي القوي الأخري في البلاد.. وحتي التيارات المتصارعة في قلب النظام من إعلان التحدي بدورها.. هنا سيجد الرئيس الجديد نفسه في موقف لا يحسد عليه.. موقف سيؤدي حتما إلي.. وربما حتي إلي انهيار النظام.






وستزداد خطورة هذا المؤشر لو صاحبته مسيرات احتجاجية في الشوارع ضد الرئيس الجديد.. صحيح أن المظاهرات لم تكن يوما أمرا يهدد استقرار النظام.. مهما بلغت أعداد السائرين والغاضبين فيها.. إلا أن تزايد حجم المعارضة في الشارع.. يعني أن الرئيس الجديد لا يعرف طريقة اللعب علي مفاتيح هذا الشارع.. مما سيصنع تهديدا جديدا امام نظام الحكم.






انتقل ستيفن كوك من عرض الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلي تدخل الجيش في حكم الرئيس الجديد.. إلي النتائج التي يمكن أن يؤدي إليها هذا التدخل علي أمريكا.. وعلي المصالح الأمريكية في مصر.. إن رد الفعل الأمريكي الأول علي وصول الجيش إلي الحكم.. سواء كان ذلك بانقلاب سلمي أو عسكري.. سيظهر في ثورة أعضاء الكونجرس وجماعات حقوق الإنسان وأنصار الديمقراطية ضد الجيش المصري.. وشعورهم أن كل جهود الديمقراطية تلقت ضربة قوية في مصر.. ومن المؤكد أن غضب جماعات الضغط والسياسة في أمريكا سيشكل ضغطا سياسيا لا يستهان به علي الإدارة الأمريكية التي ستجد نفسها في مازق.. إما مواجهة تلك الضغوط الداخلية.. أو الدخول في مواجهة مع القادة العسكريين الجدد في مصر.. وفرض عقوبات عليهم.. وأولها طبعا.. قطع المعونة الأمريكية التي تصل إلي 3،1 مليار دولار لمصر سنويا.






لكن.. أي محاولة من الإدارة الأمريكية لفرض أي عقوبات علي مصر سيواجهها القادة العسكريون الجدد بمنتهي الحسم.. فهم أكثر من يدرك مدي أهمية مصر كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة.. وخير من يملك أوراق ضغط يمكنهم بها تأديب الإدارة الأمريكية وتهديد مصالحها فعلا لو فكرت في التدخل في الشئون الداخلية لمصر.. وأبسط رد يمكن أن يقوم به الجيش - كما يقول كوك - هو عدم تقديم تسهيلات لأمريكا عند عبور قناة السويس.. أو قطع التعاون بين أجهزة المخابرات المصرية والأمريكية في مجال الحرب علي الإرهاب.. او عدم التنسيق مع أمريكا في جهود عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.






إن المشكلة الحقيقية التي ستواجه أمريكا بعد أن يتولي الجيش حكم مصر، هي انشغاله بتدعيم وضعه الداخلي في البلاد.. وعدم تفرغه لأي تعاون مع الولايات المتحدة لحماية مصالحها.. مما يعني أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة في فترة رئاسة الجيش الأولي علي الاعتماد علي دعم القاهرة لها في أية مبادرات سياسية أو اقتصادية لها علاقة باسرائيل.. او بالمصالح الأمريكية في المنطقة.. خاصة لو كانت مبادرات لا تحظي برضا وتأييد الشعب المصري.. القوة الحقيقية التي سيعتمد عليها الجيش لاكتساب شرعية حكم البلاد.






خلاصة الأمر.. كما يقول كوك.. أن وصول الجيش للحكم في مصر لن تكون نتائجه "كارثية" بالنسبة للولايات المتحدة.. اي أنه ليس أمرا ستسعي بكل قوتها لمنع وقوعه.. خاصة أن المصالح الأمريكية في المنطقة لن تتعرض لتهديدات لابد من التعامل معها.. كل ما سيحدث هو أن القادة العسكريين الجدد سيحتاجون لفترة تكيف.. يعيدون فيها ترتيب اوضاعهم وأوضاع البلاد.. قبل أن يعيدوا ترتيب أولوياتهم مع العالم الخارجي.. ولن يمثل التعامل مع الجيش مشكلة كما يقول كوك.. لأن واشنطن تعاملت مع عشرات الانقلابات العسكرية من قبل وستجد حتما طريقة للتعامل مع القيادة العسكرية الجديدة في القاهرة.






انتقل كوك بعدها لمناقشة الخيارات المطروحة أمام واشنطن للتعامل مع الأزمة الرئاسية القادمة في مصر - لو حدثت - قال إنه لو كانت واشنطن تري مصلحتها في استمرار نظام حكم الرئيس مبارك.. فلابد أن تركز واشنطن في الفترة القادمة علي دعم النظام السياسي الحالي.. وان تظهر علنا تأييدها لانتقال شرعي للسلطة في البلاد.. وتدعم سرا أي نظام يضمن استمرار نظام الحكم القائم من مبارك لخليفته.. الذي سيواصل السير علي نفس الطريق.






لو كانت واشنطن تؤيد استمرار نظام الحكم الحالي.. من مبارك إلي خليفته.. فلابد ان تظهر ذلك التأييد من خلال إجراءات محددة واضحة، مثل استمرار المعونة الأمريكية السنوية لمصر.. وتقديم مزيد من الدعم المالي والفني للحكومة المصرية لمساعدتها علي مواجهة التحديات الداخلية التي تواجهها.. ودفع عجلة مفاوضات التجارة الحرة مع مصر لتأكيد دعم واشنطن للنظام.. والأهم.. هو إعلام قادة الجيش والأمن العام في مصر بشكل سري.. أن واشنطن تؤيد بقاء النظام الحالي علي ما هو عليه.. ولا تشجع أي تغيير له.






أما لو لم تر واشنطن أن مصلحتها في استمرار النظام السياسي الحالي.. وأن الأفضل لها هو نظام جديد..ودماء جديدة.. فلابد، كما يقول كوك، أن تظهر أمريكا سرا وعلانية لقيادات القاهرة، إصرارها علي أن تتم عملية انتقال السلطة في مصر بشكل ديمقراطي.. ان يختار المصريون رئيسهم دون أي تدخل في نتائج الانتخابات.. وأن يتم ربط المعونة الأمريكية لمصر بمدي نزاهة وشفافية الانتخابات ومنح الفرصة للمراقبين المحايدين والمنظمات غير الحكومية لمراقبة نزاهة الانتخابات.






أما لو قرر الجيش أن يقلب حسابات واشنطن كلها.. وأن يدخل إلي حلبة الحكم ليحسم الأمر كله لصالحه.. فلن يكون أمام واشنطن أي فرصة للتحرك كما يقول كوك.. لن تقدر أمريكا ولا غير أمريكا علي تغيير الوضع.. لأنه في اللحظة التي يقرر فيها الجيش التحرك والسيطرة علي الحكم، فسيعني ذلك أنه يري أن مصالحه في خطر.. وأن هناك تهديدا مباشرا ضده.. مما يعني أنه لا توجد قوة.. أو إغراء.. أو تهديد.. ولا حتي التهديد بقطع المعونة الأمريكية عن مصر يمكن أن يرهب قيادات الجيش.. أو يجبرهم علي إعادته إلي ثكناته.






لذلك، كانت الحلول التي اقترحها ستيفن كوك علي واشنطن.. حلول عملية جدا.. تقوم كلها علي سياسة التعامل مع الامر الواقع.. والاستفادة مما لا يمكن منع وقوعه.. قال كوك إنه علي واشنطن أن تسعي للحد من الضرر الذي يمكن أن يؤدي إليه وصول الجيش للحكم بشكل غير ديمقراطي.. وأن يستفيد كبار ضباط الجيش الأمريكي من روابطهم مع القادة المصريين الجدد لفتح قنوات حوار وفهم النوايا المصرية نحو المستقبل.. وأن يشرحوا لهم أن هناك ضغطا سياسيا علي الإدارة الأمريكية من الكونجرس وجمعيات الديمقراطية وحقوق الإنسان لتمرير تشريع بقطع المعونة العسكرية عن مصر.. واقترح كوك أن يقدم العسكريون الأمريكان للمصريين نصائح حول كيفية خروجهم من الحكم.. وحلولا سياسية لأزمة الرئاسة.. بالحوار.. وليس أبدا بالمواجهة.






0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية