الخميس، 7 مايو 2009

كيف تُفحم نصرانيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع أحد النصارى ) 2

وتتمة للفائدة، فقد يرد النصراني ويقول: النصر والعلو والظهور بل وحتى محبة الناس ليست دليلا على صدق النبوة، فأنت ترى هتلر ونحوه من طغاة الأرض كان الناس يحبونهم ويتعاطفون معهم ويتحمسون لكلامهم وكانوا ظاهرين منتصرين، فلم يكن هذا دليلا على أنهم على الحق في شيء! وكذلك فما تقولون به من اجابة الدعاء وغيره من كراماته لا دليل له الا كلامكم، والدواعي موجودة عندكم لتصديقه وتناقله حتى يصير تواترا، فلا نقبله!!

فيقال لهذا، لقد أفسدت القياس اذ ذكرت طغاة الأرض على نحو ما ذكرت، فمعلوم أنهم كانت لهم حظوة كبيرة في قلوب أتباعهم، وأنهم كانوا ظاهرين بالقوة والعتاد، وأن أيامهم لم تكن تمضي من نصر الا الى نصر أكبر منه ..

ولكن تأمل كيف انتهى أمر كل واحد من هؤلاء؟ لم تكد تمر بضعة عقود (قرن واحد على الأكثر) على سقوط الواحد منهم الا وانهار جميع ما بناه وذهب أدراج الرياح، ولم يبق من ذكره الا فصل في كتب التاريخ، وبعض الحمقى المساكين في أطراف الأرض يتذاكرون مبادئه ودعواه ويحاولون احياء مواتها!!

بل ان أكثرهم لم يمت الا مقتولا أو مسموما أو أعدمه الثوار عليه، أو هزمته جيوش أعدائه شر هزيمة!!

فلو كان هؤلاء حملة حق يريد الله له البقاء في الأرض ظاهرا محفوظا غير مبدل ولا محرف لما حملهم التاريخ الى خزانته - بل والى مزبلته ان شئت - ثم أوصد أقفالها عليهم على نحو ما كان معهم جميعا!!

ثم ان الحق انما يُعرف بتفحص أدلة الدعوى نفسها وحقيقتها، والنظر فيما كان يدعو الرجل اليه على التحقيق وينشره بين الناس ويقاتل من أجله، وليس في مقدار علو تلك الدعوة وأهلها في الأرض في أي زمان من الأزمنة! فالدنيا دار امتحان وبلاء، وأهل الحق وان ظهروا على الأرض في عصر من العصور فهم مبتلون في غيره بأن يظهر عليهم عدوهم، والأيام دول.. لأنها دار امتحان!!

ولكم خير شاهد على ذلك في دعوة المسيح عليه السلام نفسه، كيف أنه ظل طريدا خائفا هو وأتباعه حتى نجاه الله - وأنتم زعمتم أنه تركه يهلك!! - ورفعه اليه وترك الناس من بعده في ابتلاء وفتنة! مع أنه كان داعيا للحق الذي لا مرية فيه: ((أن اعبدوا الله ربي وربكم هذا صراط مستقيم)).. ولكن الله يقضي ما يشاء ويختار! قضى أن يكون لرسول من رسله ابتلاء ومطاردة واستضعاف، ثم فتنة به وبما جرى له، وقضى أن يكون لرسول غيره من بعده ظهور في الأرض وعلو ومملكة كاملة الأركان.. لا ينكر أحدهما الآخر ولا يكذب به، بل ينبئ الأول بالآخر ويأمر باتباعه اذا ما بعث، ويثني الآخر على الأول ثناءا عطرا وينزهه ويبرئه مما لحق بالناس من بعده في شأنه من خرافات وانحرافات! وهكذا النبوة سلسلة من حلقات متصلة، يمسك بعضها في بعض، ويشهد الواحد منها لاخوانه خير شهادة! فان كذبتم بموسى، فقد كفرتم بعيسى، وكذا ان كذبتم بمحمد فقد كفرتم بعيسى كذلك، لأن الذي بعثهم واحد، وبيان ذلك ودليله النظر والتمحيص في دعواهم جميعا بالدليل والحجة، لتيبن أنها من أولهم الى آخرهم كانت دعوة واحدة لا شذوذ فيها... دعوة الى اتباع النبي - لا عبادته - وتوحيد الرب الواحد الأحد لا شريك له! أما أحوال كل واحد من هؤلاء الأنبياء من الظهور والعلو في زمانه والتمكين في قومه فلله في ذلك حكمة في كل منهم، يبلتي الله بها من يشاء من عباده! أما كلامك عن التواتر والداعي لوقوعه بيننا فانما يدل على فساد عقل وتصور، وجهل بحقيقة التواتر.. فالمتواتر في أمتنا ليس جمع من الناس يزعمون مزعما فيقبله منهم الذين يلونهم دونما تمحيص!!

انما التواتر خبر منقول بطرق معلومة مسجلة بسندها المتصل، متضافرة متكاثرة معلوم أصلها، لا تجد الواحد منها الا ويصدقه غيره من الأخبار الأكثر تواترا، والتي لا يتصور العقل محيدا عن قبولها والتسليم بصحتها ... فلا تواتران عندنا يتعارضان أبدا، ولا ينشأ تواتر الا ومعلوم أصله بلا ابهام ولا انقطاع ولا اعضال! هكذا في منظومة متكاملة لا فساد فيها، لم يعرف التاريخ لها نظيرا!!!

فلا أنتم تفهمون ما التواتر ولا لكم بمثله قِبَل عندكم أصلا، فدعوا عنكم ما لا تحسنون!!

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية