قطرات فى طريق الولاء والبراء فى الاسلام المعاصر !!
إن عظمة هذا الدين تتمثل في القواعد الشرعية العظيمة التي أرسها لبناء المجتمع السليم، سواء كان هذا البناء على الصعيد الداخلي المتمثل بعلاقة الراعي مع الرعية، وما فيها من حقوق أو واجبات، أو كانت على الصعيد الخارجي، المتمثلة بعلاقة الدولة المسلمة مع غيرها، وقد ركز علماء الإسلام قديما وحديثاً، عند تناولهم للسياسية الشرعية ، على الجانب الداخلي فيها ، ولم يكن هناك اهتمام للعلاقة الخارجية في الأحكام السلطانية .
ومن المعلوم بالضرورة أن نصوص الكتاب والسنة قد جاءت متواترة في موالاة المؤمنين ومعادة الكافرين ، أو على الأقل عدم الميل إليهم على حساب المسلمين ، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة : 51] ، وقال جل شأنه : ﴿ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران : 28] ، وقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً ﴾ [النساء : 144] وقال أيضا : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة : 57] ، والآيات في هذا الباب معلومة .
وقد تعددت أساليب التبرير للمنافقين وللكافرين في سبب ولايتهم لغير الله تعالى ، وبالتالي منابذة المؤمنين ، قال تعالى : ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ﴾ [النساء : 139] ، وقال جل شأنه أيضاً : ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المائدة : 52] ، ومن هنا لا نجد تبريراً للدول العربية والإسلامية التي مالت إلى الغرب كل الميل ، بل أصبحت تتقرب إليه بأعمال مخالفة لصلب عقيدة الولاء والبراء ، إذ حجمت هذه العقيدة لتشمل الأفراد فقط ، بقصد أو بدون قصد ، فركز العلماء المعاصرون على مخالفة اليهود والنصارى في أعيادهم ولباسهم وعادتهم وعباداتهم ، وهذا كله حق لا مرية فيه ، ولكن أين مخالفة اليهود والنصارى في سياستهم وعلاقتهم الخارجية ، وأين علمائنا من هذا .
إن المشكلة الحقيقة التي تعاني منها الأمة الإسلامية الآن هي مولاتها للغرب على حساب الدول المسلمة ، بل ربما وجدت هذه الدول المسلمة يكيد بعضها ببعض ، ويستقبل جيوش الغرب من نصارى بالآلف لكي يضرب الدولة المسلمة الأخرى ، وما من دار من ديار الإسلام إلا وقد أصبح للبيت الأبيض فيها السطوة والكلمة العليا على أبنائها ومقدراتها وجيوشها ، وما أشبه اليوم بالبارحة ، إذا عدنا بالتاريخ الإسلامي إلى أرض الأندلس ، إذ كان حال ملوكهم يشبه حال ملوكنا ، فاستبيحت من قبل النصارى على يد ملوكها وأمرائها من مسلمين ، ويصف ابن حزم الظاهري ما عليه أمراء الأندلس في عصر الطوائف من منابذة المسلمين وموالاة الكافرين بقوله : (( والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية لأمورهم لبادروا إليها ، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم ، يحملونهم أسارى إلى بلادهم ، وربما أعطوهم المدن والقلاع ، فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس ، لعن الله جميعهم ، وسلط عليهم سيفاً من سيوفه )) ، فكأن هذه الكلمات كتبت في عصرنا ، وقصد بها أمرائنا وملوكنا ، الذين قدموا موالاة الكفار على المسلمين ، وأمدوهم بالمال والأرض ليستبيحوا ديار أخوتهم وبني جلدتهم ، كما هو الحال في العراق وأفغانستان والصومال ، والبقية تأتي .
فكم من مسجد دنس بالصليب ، وكم من دم أريق بغير ذنب ، وكم من طفل يتم ، وفقد أباه أو أمه ، في هذه الديار ، وأصبح المسلمون الذين يسكنون هذه الديار غرباء في أرضهم بعد أن اصبح النصارى يقتلون من يقتلون ، ويسجنون من يسجنون ، ويغتصبون من يغتصبون ، ولا ناصر لهم من أخوتهم ، ولولا رحمة الله تعالى بهم ، لما بقي لهم أثر ، ولما عثر على بقية ، فأين الذين يتشدقون بعقيدة الولاء والبراء ؟ وبأنهم حماة الشريعة ؟ أين هم من أمرائهم وملوكم ، هلا أرشدوهم إلى عقيدة الولاء والبراء في السياسية الشريعة ، التي هي أساس النصرة والتمكين ، أم أن هذا خط أحمر لا يقربه أحد ، ولا ينبه عليه أحد .
إن ما يصيب الأمة المسلمة اليوم هو بسبب فساد أمرائها وملوكها ، وعدم نظرتهم الصحيحة للأمور ، إذ لا ينظرون إلى أبعد من عروشهم ، ولا يفكرون إلا بمصالحهم ، وربما قدموا مصالح البيت الأبيض على مصالحهم ومصالح رعيتهم ، لأنهم يخشونهم أشد الخشية : ﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ﴾ [التوبة : 13] ، فقادوا البلاد والعباد إلى الخراب والفساد ، إذ أصبح الغرب يتحكم في كل مقدراتنا ، في السلاح الذي يجب أن نمتلكه ، والدرس الذي نقرأه ، واللباس الذي نلبسه :
ومن يكن الغراب له دليلاُ يمر به على جيف الكلاب
والمحزن بالأمر أن هؤلاء الملوك والأمراء لا يجدون من الدعاة والعلماء ، إلا كل المدح والثناء ، إلا من رحم الله ، بل تخلف الدعاة والعلماء عن نصح هؤلاء عن غيرهم من مثقفي الأمة ، فتجد القومي والشيوعي وغيرهم ، قد تكلموا ونطقوا بالنصح وبضرورة إعادة النظر في سياسات دولنا المسلمة ، أما علمائنا فلا زالوا يعدون الملك معصوماً ، لا يجب الكلام معه في شيء يكرهه ، ولا يجب أن يقال له : اتق الله في الرعية ومقدراتهم ، اتق الله في المسلمين، وإن تكلم أحد بذلك قالوا هذا من الخوارج ، يجب إقامة السيف عليه ! .
ومن خلال ما تقدم فإننا بالاستناد إلى الكتاب والسنة ، نضع بعض الأسس التي يمكن الاعتماد عليها في بيان عقيدة الولاء والبراء في السياسة الشرعية للراعي :
1. عدم الاستعانة بجيوش النصارى مهما كانت الأسباب ، لأن الله تعالى حذرنا من ذلك أشد الحذر ، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم تبعه كافر في بعض غزواته ، فرده عليه الصلاة والسلام .
2. عدم تقديم الدعم الاستخباراتي والأمني للدول النصرانية ، بحجة التعاون الأمني ، وغالبا ما يكون هذا التعاون من جانب واحد ، فلو أرادت الدولة المسلمة على سبيل المثال معلومات عن نصراني في أمريكا أو أوروبا ، قالوا هذه حرية شخصية ، أما النصارى فهم ربما يعلمون الآن حتى أسماء نسائنا .
3. إعادة النظر في نظام تأشيرات الدخول والخروج من ديار المسلمين ، فالذي يحدث الآن هو تقديم النصارى على المسلمين ، ولا نريد أن يقدم المسلمون عن غيرهم ، وإن كان هذا هو الأساس الشرعي في هذا الأمر ، إلا أننا على الأقل نطالب بمساواة المسلمين بالنصارى ، فليس من المعقول أن يدخل الأمريكي أو الأوروبي ديار الإسلام بدون تأشيرة ، ويجلس المسلم شهورا أمام السفارات المسلمة من أجل الحصول على تأشيرة دخول لهذا البلد أو ذلك .
4. بناء العلاقات المتبادلة بين الدولة المسلمة وغير المسلمة ، وفق أساس المصلحة العليا للأمة ، والتنسيق بين الدول المسلمة وفق هذا الأساس ، فعندما يتعرض نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يجب أن تقف الدول المسلمة وقفة رجل واحد ضد الدولة التي قامت بذلك ، وأنت ترى أن الدول الغربية لا تتجرأ أن تشك في المحرقة اليهودية ، لشدة اثر اليهود في ذلك ، أما نحن فالحال تحكي وتبكي .
إن عقيدة الولاء والبراء هي من أهم الأسس الشرعية التي يجب أن يبنى عليها المجتمع المسلم في علاقته مع غير المسلم ، سواء كان هذا الآخر فرداً أو دولة ، وعلى العلماء بيان ذلك للملوك والأمراء ، للميثاق الذي أخذه الله تعالى عليهم : ﴿ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران : 187] ، أهم بيان هو بيان للراعي الذي بصلاحه تصلح البلاد وبفساده تفسد البلاد .
اللهم إني بلغت ، اللهم فأشهد
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية