الخميس، 29 أكتوبر 2009

تقارير المخابرات الأمريكية عن سيطرة إسرائيل علي منابع النيل لإجبار مصر علي نقل المياه إلي القدس - بقلم: عادل حمودة




يقع قصر الحكم في أديس أبابا علي هضبة مرتفعة تطل علي منطقة عشوائية فقيرة من الصفيح والكرتون بجانب فندق شيراتون ذي السبعة نجوم وهو ما يعكس التناقض الطبقي الحاد الذي يعيشه سكان العاصمة الأثيوبية.



في سرية تامة تسللت من البوابة الخلفية لقصر الحكم سيارة صغيرة سوداء لم يستطع احد تحديد ملامحها دخلت في هدوء ونزل منها تحت سطوة الليل بنيامين نتانياهو.


تقمص رئيس الحكومة الإسرائيلية شخصية الثري السخي وعرض تأجير الأراضي الزراعية بمائة ضعف القيمة التي عرضها المصريون وتطوع بتقديم شيك مقبول الدفع يتجاوز الملياري دولار عربونا.


لم تمر سوي ساعات قليلة علي شطائر اللحم البارد التي قدمت في نهاية الجلسة حتي اعلنت الحكومة الأثيوبية عن تأجيل زيارة الدكتور أحمد نظيف إليها.. وربما إلغائها.. وبررت ذلك باستيائها من التصريحات العدائية لوزير الري نصر علام الذي صدرت إليه تعليمات مشددة بأن يغلق فمه تماما ويضع عليه بلاستر.


التواجد الإسرائيلي في دول حوض النيل ليس وهما كما تتصور السلطات المصرية المختلفة.. وليس وليد السنوات الأخيرة كما نحاول أن نقنع انفسنا.. وليس سطحيا كما تردد صحفنا.. وكل ما علينا لإزالة الغشاوة من علي عيوننا ان نقرأ الرسالة العلمية الدقيقة التي كتبها الدكتور محمد سالمان طايع ونشرت في كتاب يسهل الحصول عليه.. لكن.. المشكلة ان الحكومة لا تقرأ.


لقد اعتبرت إسرائيل المياه قضية استراتيجية قبل تأسيسها.. بدونها لن ينجح مشروعها الاستيطاني في فلسطين.. في وقت مبكر قال تيودور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية : " إن المهندسين الحقيقيين (للدولة) هم مهندسو الري الذين سنعتمد عليهم في كل شيء".. وقدم إليه مهندس سويسري اعتنق اليهودية اسمه إبراهام بوكات مشروعا لتنمية مياه نهري الليطاني والأردن لتوسيع مساحة الخصوبة في الأراضي الزراعية وتزويد المدن الرئيسية واولها القدس بمياه الشرب.


وفي 11 فبراير 1903 اقترح أرسل هيرتزل ــ بموافقة اللورد كرومر ــ بعثة فنية لدراسة إمكانية نقل مياه النيل إلي سيناء لتوطين اليهود في سيناء بعد التعاقد مع الحكومة المصرية علي امتياز الاستيطان لمدة 99 سنة قابلة للتجديد وقد رفض رئيس الحكومة وقتها بطرس باشا غالي العرض وكانت حجته ان المياه لا تكفي المصريين في الوادي فكيف نهدرها في الصحراء ؟.


وفي عام 1974 ظهر للوجود مشروع " أليشع كالي "الذي قال : "إن النيل يعطي أكثر من الليطاني بنحو مائة مرة والنقل منه إلي النقب ووسط إسرائيل عبر قطاع غزة مرورا بقناة مكشوفة في سيناء تأتي بالمياه من الوادي بواسطة سحارات تمر تحت قناة السويس وفي المدي البعيد يمكن حل جميع مشكلات المياه في إسرائيل باستخدام واحد في المائة من مياه النيل ( أي 800 مليون متر مكعب سنويا من أصل 80 مليار متر مكعب ).


إن موارد إسرائيل من المياه لا تزيد علي1850 مليون متر مكعب تحصل عليها من أنهار الأردن والحصباني والوزاني وبانياس واليرموك بجانب المياه الجوفية والمياه المعالجة ومع زيادة السكان وتدفق المهاجرين والتوسع الزراعي والنمو الصناعي ومواجهة التلوث يصبح ذلك الكم من المياه شحيحا للغاية.


وبجانب مشروع إليشع كالي هناك دراسات للاستغلال المشترك للمياه الجوفية في سيناء أعدها خبير جيولوجي إسرائيلي هو موشي شيفريز استعان بخرائط امريكية لتحديد اماكن تلك المياه.


وفي أبريل 1980 بعث الرئيس انور السادات لرئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت مناحم بيجن رسالة قال فيها: "ولعلك تذكر أيضا انني عرضت أن أمدكم بمياه يمكن ان تصل إلي القدس مارة عبر النقب حتي أسهل عليكم بناء احياء جديدة للمستوطنين في أرضكم ".. واقتنص مناحم بيجن تلك الإشارة ليؤكدها بتحديد مياه النيل فقال وهو يرد علي الرسالة : " اعتقد يا سيادة الرئيس أن حديثنا القصير في العريش كان يتضمن اقتراحا منكم بنقل مياه النيل إلي النقب ولم تذكروا نقل المياه إلي القدس مطلقا ".. " وأنا أري أن نقل المياه من النيل إلي النقب فكرة عظيمة حقا ".


لكن.. كل هذه الأحلام تبخرت.. ولم يعد هناك أحد في مصر يقبل بنقل قطرة مياه واحدة من النيل إلي النقب.. فما كان من إسرائيل إلا انها ذهبت إلي المنابع وبدأت في محاصرة السياسة المصرية هناك مطبقة نظريتها في " التعامل مع المحيط " وهي نظرية تقوم علي تقوية علاقتها بالدول الموجودة علي هامش المنطقة وهي إثيوبيا وتركيا وإيران انطلاقا من كونها جميعا دولا غير عربية ولها تاريخ من العداوة مع العالم العربي.


تهدف إسرائيل من تغلغلها في دول حوض النيل إلي التأكيد علي حماية أمنها وفتح أسواق لأسلحتها والضغط علي مصر إذا لزم الأمر.. وبدأ ذلك بعد حرب السويس عام 1956 حين طلب هيلاسي لاسي من ديفيد بن جوريون أن تتولي إسرائيل تدريب جيشه فوافق وفي عام 1961 اعترفت إثيوبيا رسميا بالدولة الصهيونية وتبادلت معها البعثات الدبلوماسية وافتتحت قنصلية لها في القدس.


وتتعدد وتتنوع مؤشرات ومظاهر التغلغل الإسرائيلي في حوض النيل لتشمل جميع النواحي السياسية والعسكرية والثقافية والمائية لتصل إلي هدفها الرئيسي وهو تحقيق "استراتيجية المحاصرة".. ولمن يريد التوسع في غالبية مظاهر ذلك التغلغل نقترح عليه قراءة الفصل الاول من الكتاب الذي بين أيدينا والمنشور تحت مسئولية مركز البحوث والدراسات السياسية في جامعة القاهرة لأننا لا نريد الخروج بعيدا عن موضوعنا الأساسي وهو المياه.


إن التغلغل المائي لإسرائيل في دول الحوض حقيقة ملموسة رغم النفي الرسمي للمسئولين عن المياه في مصر والسودان وإثيوبيا وإسرائيل.. لكنهم جميعا يعلمون أن إسرائيل هي التي زرعت في العقل الإثيوبي الادعاء الخبيث بأن حصتها من المياه ليست عادلة وعليها ان تطالب مصر والسودان بتصحيح الحصص ولو لم يستجبا فإن عليها أن تلجأ إلي وسائل التكنولوجيا المتطورة لترويض النهر وتوجيهه وفق مصلحتها.


في 6 يناير 1990 ذكرت صحيفة إندبنت أن خبراء إسرائيليين يعملون لحساب الحكومة الاثيوبية في تجهيز دراسات تمهيدية لبناء ثلاثة سدود في منطقة بحيرة تانا.. وبعد 3 أيام ذكر تقرير للسفارة المصرية في لندن وصول 400 خبير إسرائيلي في المخابرات والسدود إلي أثيوبيا لمساعدتها في بناء ثلاثة سدود علي النيل الأزرق.. مصدر 85 % من المياه التي تصل إلي مصر.. وبعد أسبوع سلم الرئيس مبارك ملفا خاصا لشيمون بيريز اعدته الخارجية المصرية عن نفس الموضوع.. وبعد ساعات قليلة وجهت مصر تحذيرا إلي إسرائيل وأثيوبيا بعدم العبث بمياه النيل : " إن القاهرة لن تسمح بأية محاولة لإعاقة مجري نهر النيل ".


وذكر وليم كيسي المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية (الأمريكية) في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست إلي أن وجود إسرائيل في منابع النيل حقيقة متزايدة يصعب تجاهلها.. تعمل من خلاله إلي " الحد من تدفق مياه النهر إلي مصر والسودان للضغط عليهما.. وتلعب دور الوسيط والوكيل لجهات استعمارية عليا تفكر في استخدام سلاح المياه بعد ان استخدمت سلاح الغذاء للسيطرة علي دول العالم الأكثر فقرا وتخلفا.. وتسعي إسرائيل إلي قبول مصر بنصيب من مياه النيل لإسرائيل عند المصب مقابل الا تتلاعب بمجريات المياه لغير صالح مصر ".


وسبق أن أبرم جون جرنج (زعيم جيش التحرير السوداني) اتفاقا مع شركات إسرائيلية تعمل في إثيوبيا ومنطقة البحيرات العظمي لتنفيذ سلسلة من درسات الجدوي شارك فيها 550 خبيراً إسرائيلياً تتعلق باستغلال 25 مليار متر مكعب من المياه، رغم أنها تمثل الرصيد الاستراتيجي لدولة جنوب السودان التي كان يخطط لإقامتها وتتضمن تلك الدراسات 12 مشروعا زراعيا ومثلها لتوليد الطاقة وتهدد باقتطاع 9 مليارات من المياه تخطط مصر للاستفادة منها.


إن هناك أمثلة أخري تضمنتها دراسة الدكتور محمد سالمان طايع تثير الفزع وهي ليست الدراسة الوحيدة في مراكز الأبحاث ومكتبات الكليات المتخصصة.. لكن.. من يقرأ ومن يفهم ومن يصدق أننا نتكلم في قضية جادة ولا نطلق صواريخ والعاباً نارية في الهواء؟.






0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية