الطريق الى الله الجزء الاول
الحمد لله الذي جعل الانتماء لدينه شرفا , ومعاداة مناوئيه للتوحيد شرطا , وتحمل الأذى في سبيله علامة على صدق الإيمان والتقوى , والكفر بالعلمانية واجبا وفرضا , ونشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , أفلح من باع النفس والمال له بيعا , والصلاة السلام على سيدنا محمد طيب النسب أصلا وفصلا , الذي ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله هتكا , أما بعد ...سبب المقالدعونا بادئ ذي بدء نتساءل هذه الأسئلة الهامة ... أليس مصدر عزتنا وسؤددنا موجود بين أظهرنا؟!!! قال الله تعالى:" لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) "(الأنبياء) .أليس ما يعصمنا من الضلال والضياع حاضر بيننا , أخرج مالك في موطئه من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي", ألسنا مرضى والمعاصي مرضنا ونعرف الدواء وهو في منهج ربنا , فلماذا نقصر في التداوي , قال الله تعالى:" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)"(الأعراف)إن هذه الأسئلة تلح علي وبشدة وهي تدفعني أن أقول لنفسي وإياكم:خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.كيف نأخذ الكتاب بقوةقال سيد قطب في تفسير قوله تعالى:{ وإذ أخذنا ميثاقكم ، ورفعنا فوقكم الطور : خذوا ما آتيناكم بقوة ، واذكروا ما فيه لعلكم تتقون . ثم توليتم من بعد ذلك ، فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين }فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميعوتفصيل هذا الميثاق وارد في سور أخرى ، وبعضه ورد في هذه السورة فيما بعد . والمهم هنا هو استحضار المشهد ، والتناسق النفسي والتعبيري بين قوة رفع الصخرة فوق رؤوسهم وقوة أخذ العهد ، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة . وأن يعزموا فيه عزيمة , فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع ، ولا يقبل أنصاف الحلول ولا الهزل ولا الرخاوة , إنه عهد الله مع المؤمنين . . وهو جد وحق ، فلا سبيل فيه لغير الجد والحق . . وله تكاليف شاقة ، نعم! ولكن هذه هي طبيعته ... إنه أمر عظيم ... أعظم من كل ما في هذا الوجود ... فلا بد أن تقبل عليه النفس إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفه ، المتجمع الهم والعزيمة المصمم على هذه التكاليف ...إذا أقبلت على طريق الله فقل وداعا للراحة والدعةولا بد أن يدرك صاحب هذا الأمر أنه إنما يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نودي للتكليف : « مضى عهد النوم يا خديجة » . وكما قال له ربه : { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } وكما قال لبني إسرائيل :{ خذوا ما آتيناكم بقوة } . { واذكروا ما فيه لعلكم تتقون } . .طريق الله جد وحماسة ومعها بصيرة وكياسةولا بد مع أخذ العهد بقوة وجد واستجماع نفس وتصميم . . لا بد مع هذا من تذكر ما فيه ، واستشعار حقيقته ، والتكيف بهذه الحقيقة ، كي لا يكون الأمر كله مجرد حماسة وحمية وقوة , فعهد الله منهج حياة ، منهج يستقر في القلب تصوراً وشعوراً ، ويستقر في الحياة وضعاً ونظاماً ، ويستقر في السلوك أدباً وخلقاً ، وينتهي إلى التقوى والحساسية برقابة الله وخشية المصير ,ولكن هيهات! لقد أدركت إسرائيل نحيزتها ، وغلبت عليها جبلتها :{ ثم توليتم من بعد ذلك }أ.هـ , فهل ستتولى عن الله ومنهجه كما تولى بنو إسرائيل ؟ إن فعلت فأنت وحدك الخاسر...وقال سيد قطب في قول الله تعالى لموسى – عليه السلام -:{ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } . .والأمر الإلهي الجليل لموسى - عليه السلام - أن يأخذ الألواح بقوة وعزم ، وأن يأمر قومه أن يأخذوا بما فيها من التكاليف الشاقة بوصفه الأحسن لهم والأصلح لحالهم . . هذا الأمر على هذا النحو فضلاً على أنه يشي بضرورة هذا الأسلوب في أخذ هذه الطبيعة الإسرائيلية ، التي أفسدها الذل وطول الأمد ، بالعزم والجد ، لتحمل تكاليف الرسالة والخلافة ، فإنه - كذلك - يوحي بالمنهج الواجب في أخذ كل أمة لكل عقيدة تأتيها . .إن العقيدة أمر هائل عند الله - سبحانه - وأمر هائل في حساب هذا الكون ، وقدر الله الذي يصرفه ، وأمر هائل في تاريخ « الإنسان » وحياته في هذه الأرض وفي الدار الآخرة كذلك . . والمنهج الذي تشرعه العقيدة في وحدانية الله - سبحانه - وعبودية البشر لربوبيته وحده ، منهج يغير أسلوب الحياة البشرية بجملتها ، ويقيم هذه الحياة على أسلوب آخر غير الذي تجري عليه في الجاهلية ، حيث تقوم ربوبية غير ربوبية الله سبحانه ، ذات منهج للحياة كلها غير منهج الله الذي ينبثق من تلك العقيدة . .
طريق الله أمر ليس بالهين فلا بد أن يؤخذ بقوة وبعلوٍ للهمة
وأمر له هذه الخطورة عند الله ، وفي حساب الكون ، وفي طبيعة الحياة وفي تاريخ « الإنسان » . . يجب أن يؤخذ بقوة ، وأن تكون له جديته في النفس ، وصراحته وحسمه . ولا ينبغي أن يؤخذ في رخاوة ، ولا في تميع ، ولا في ترخص ، ذلك أنه أمر هائل في ذاته ، فضلاً على أن تكاليفه باهظة لا يصبر عليها من طبيعته الرخاوة والتميع والترخص ، أو من يأخذ الأمر بمثل هذه المشاعر . .
وليس معنى هذا - بطبيعة الحال - هو التشدد والتعنت والتعقيد والتقبض! فهذا ليس من طبيعة دين الله . . ولكن معناه الجد والهمة والحسم والصراحة . . وهي صفات أخرى ومشاعر أخرى غير مشاعر التشدد والتعنت والتعقيد والتقبض!
هل نستحق خطابا قاسيا كهذا الذي خوطب به بنو إسرائيل؟
ولقد كانت طبيعة بني إسرائيل - بصفة خاصة - بعدما أفسدها طول الذل والعبودية في مصر , تحتاج إلى هذا التوجيه . لذلك نلحظ أن كل الأوامر لبني إسرائيل كانت مصحوبة بمثل هذا التشديد وهذا التوكيد ، تربية لهذه الطبيعة الرخوة الملتوية المنحرفة الخاوية ، على الاستقامة والجد والوضوح والصراحة , ومثل طبيعة بني إسرائيل كل طبيعة تعرضت لمثل ما تعرضوا له من طول العبودية والذل ، والخضوع للإرهاب والتعبد للطواغيت ، فبدت عليها أعراض الالتواء والاحتيال ، والأخذ بالأسهل تجنباً للمشقة . . كما هو الملحوظ في واقع كثير من الجماعات البشرية التي نطالعها في زماننا هذا ، والتي تهرب من العقيدة لتهرب من تكاليفها ، وتسير مع القطيع؛ لأن السير مع القطيع لا يكلفها شيئاً!
لن تنال ما تريد وأنت غافل وإلى الدنيا مطمئن ومائلإنبعضنا يريد أن يلتزم بالدين وفي نفس الوقت يريد شقة واسعة ومحمولا وسيارةمكيفة ، وعروسا عينها زرقاء وشعرها أصفر وطويلة وعريضة ومطيعة وطالبة علم، وعشرة أولاد صبيان ، وبنتا تدلله ، وخدامه وما علم أو نسي أن الدنيا دار بلاء وعناء قال الله تعالى:"لقد خلقنا الانسان في كبد" البلد , وهي كذلك دار اختبار , قال الله تعالى:"الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" الملك
المسلم في هذه الدنيا في شغل ...فمتى الفراغ؟
المؤمن في هذه الدنيا في شغل , فإذا تساءل أحدكم ومتى الفراغ؟فنقول:الفراغ في الجنة ... فحينما تدخل الجنة افعل ما شئت .. الدنيادار عمل ، فلا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل ، فلست في فسحة من أمرك ولذلكقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"اخرجه مسلم (2956)... الدنيا سجن له ظروفه .. السجن له ملابسه وأكله وشربه ,وله أحكامه ومواعيده ، وله ضوابطه ... الدنيا سجن فلا تحاول في السجن أنتعيش في الجنة .السجنله مواعيده ... مواعيد الفسح ... هناك مواعيد للصلاة , لا يصح النوم فيها , ولاالشغل أثنائها .. هذا هو سجن الدنيا .. ولا بد عليك أن تقطعها هكذا ... لكن الذييريد أن يعيشها على أنها الجنة , فيأكل على مزاجه ويشرب على مزاجه ويمشي علىمزاجه وينام على مزاجه ويفعل ما يريد وما يشتهي سيضل الطريق لا محالة .
عش في الدنيا كما يريد الله لا كما تريد أنتلابدأن تعيش الدنيا كما يريد الله لا كما تريدها أنت .. فأنت الآن في سجنالتكاليف الشرعية ... وإن كنت مكتفا بهذه التكاليف النبيلة ، فهناك أناسغيرك مكتفون أيضا بالعادات والتقاليد لكن ليس لهم أجر ولك أنت الأجر الجزيل من الرب الجليل ... فلو كنتتمرض فالكفار يمرضون ولو كنت تتعب فالمنافقون يتعبون ... إذا كنت تؤذى فيسبيل الله فهناك من يؤذى من أجل مناهج باطلة بل وكفرية , قال الله تعالى:" إن تكونواتألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون )) النساء .
بمواصلة العمل يتواصل لك من الله الأجر بلا خلل
أنتترجو بالذي تعمله أجرا هم لا يرجونه , وهذا هو عزاؤك .. أن الله تعالىسيعطيك .. فضع نفسك في سجن التكاليف الشرعية ليكون الخروج على باب الجنة بإذن الله تعالى.
من يوم أن نودي صلى الله عليه وسلمب " يأ يها المدثر * قم فأنذر " ولم يرقد أو يركد بعدها لحظةبلكان لسان حاله - صلى الله عليه وسلم -:"ذهب زمان النوميا خديجة".
ولذلكلم يقل الله للمؤمنين بعد غزوة أحد : كفاكم ما حدث واقعدوا في بيوتكم ..لا.. بل قال سبحانه وتعالى : - "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)"(النساء) قال لهم:اثبتوا على مطاردتهم وظلواخلفهم وإياكم أن تتركوهم .. نعم : شغل مستمر وعمل متواصل وجهد غير منقطع .
خذ الكتاب بقوة وإن أوذيت فالرسول أوذي وما تنازلومعذلك تجد بعض الناس يريد أن يتناول كل الشهوات , وان يعيش دوما في عافية .. يا أخي إن النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - أوذي وطرد وشتم بل وتفل في وجههالشريف , لقد اضطهد أعز وأطهر مخلوق على ظهر الأرض ..- صلى الله عليه وسلم-شتموه ووضعوا التراب على رأسه .. خنقوه بثوبه ورموا الحجر عليه ... وحفرله حفرة في غزوة أحد ليقع فيها .. فوقع وجحشت ساقاه .. ودخلت حلقات المغفرفي وجنتيه .. شقوا رأسه وأدموا وجهه وضربوا كتفه .. ورموه بالسهام .. وفيالطائف رموه بالحجارة حتى جرح كل جسده - فداه أبي وأمي ونفسي - صلى اللهعليه وسلم – ووقع أيضا من على الفرس فجحش جنبه الشريف .. مرض بالحمى حتى لم يطقحماه أحد .. عاش غريبا .. مطاردا من كفار يريدون قتله .. فداه أبي وأميونفسي رسول الله.
الراحة في الجنة بإذن الله تعالىإن المتفقه في سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم – لا يجد لحظة استراح فيهافأيامه كلها جهاد وتعب ومشقة .. وإن العين لتذرف رأفة ورحمة به .. مشىكثيرا وجرى كثيرا .. جاع شهورا .. وكان يأكل الدقل ( أردأ التمر ) وربمالا يجده .. سهر السنين الطويلة ... ونام على الحصير في كد ونصب ليقيم الحقويبلغ دعوة ربه .بأبيهو وأمي ونفسي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أرسل بالمدثر فقام صابرامحتسبا فلم يهدأ حتى جاءه نصر الله ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .
هكذا عاشها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -هكذا عاشها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتريد أنت أن تعيشها نظيفةحلوة ! تريد أن تعيشها ممتعا معافي ! ... تريد أن تعيشها في راحة وأمان ! لا يا أخي .. هذة دنيا .. الأصل فيها المشاكل والأحزان وإلا لما كان هناكاشتياق للآخرة .. فيا أخي ... هيا للعمل والتعب والجد والاجتهاد , ولا تلبسثياب الفراغ أثناء العمل .
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية