الجمعة، 29 مايو 2009

مع الله يطيب العيش


( مـــا أروع الحيـــاة مع اللــه .... )
تؤكد كل النصوص ويشهد واقع الحياة ..
ويكرر العقلاء العارفون دائما ..
أن :
الحياة بعيدا عن رحاب الله سبحانه : عذاب وشقاء وجحيم ..
والحياة في رحاب الله : نعيم وأنس وجنة..
مع الله تطيب الحياة ، ومع الله تحلو الدنيا وهي الصغيرة الحقيرة
ومع الله يسمو الإنسان وهو الهباءة التي لا ترى في هذا الكون
مادمت مع الله فثق أنك ستعيش مطمئن القلب ، قرير العين ، يقظ الضمير
فمع الله يطيب العيش ، ويعذب الكلام ، ويصفو الجو، وتطمئن النفوس وترفرف الروح عاليا عاليا ،،
مع الله جنة .. جنة حقيقية بكل معنى الكلمة ... حتى لو لم يكن في يدك درهم واحد
ومع الله تغدو ملكاً كأنما تجري من تحتك الأنهار ...... حتى لو كنت تعمل حارس بستان
مع الله يغمر قلبك النور ، ويفيض على لسانك وقلمك .. فتغدو مباركا حيثما كنت
حتى لو كنت طالبا لا زال يتلقى العلم على مقاعد الدراسة في مراحلها الأولى
مع الله .... مع الله ..... مع الله ..... مع الله .. جل الله وتبارك وتقدس ..
مع الله .. تغدو خفقات قلبك تردد باستمرار وحيثما كنت :
الله .. الله .. الله .. لا إله إلا الله وحده ..
الله ربي وحبيبي لا شريك له في قلبي..
الله خالقي ورازقي ، لا مكان لمحبة سواه في فؤادي
في كل منظر تراه ، وتقع عليه عيناك ..... تهتف روحك على الفور : الله.. الله
الله الخالق .. الله الرازق .. الله البديع .. الله الحكيم .. الله القريب الخ
ما أروع اليوم الذي تكون فيه مع الله بقلبك وقالبك ....
هناك تفيض عيناك بدموع فرح خالص ..دموع تشعرك بسمو روحي عجيب .
دموع تغسل هذا القلب وتجلوه ... وتسمو به وترقيه ..
الله.. الله .. لفظ يتضمن أروع الأسماء والصفات يا لسحر هذه الكلمة ( الله ) إذا استقرت حقا وصدقا في شغاف القلب فإنها إذا استقرت هناك أنارته ولابد .. فأضاء واشرق وتوهج لا محالة .. يا إلهي .. ما أروع هذه المعاني ..
إن روائع المعاني على هذه الصورة تنعش القلب ، وتنفض النفس على نفسها ..
وحين يشرق القلب ويتوهج .. يتلألأ بنور محبة الله جل في علاه ، فتنكشف له الأمور على حقائقها فلا يستخفنه الذين لا يوقنون ، وإن حملوا أرقى الشهادات ، وامتلكوا أطول الألسنة !!!.. ولا تستهويه الفتن المزخرفة التي يتسقط عليها أكثر الخلق في سماجة ..!!!
المسلم المتلألئ القلب بحب الله تعالى ، والشوق الحقيقي إلى الدار الآخرة :
يغدو أكبر من هذه الدنيا بما فيها ومن فيها ..
فكيف يستصغر المسلم نفسه ، فينجرف مع طوفان الفتن إلى حيث سخط الله ..؟ أنها الغفلة عن هذه المعاني الرائعة .. حين ننسى هذه الحقائق الكبيرة .. يسهل على الشيطان افتراسنا .. ؟؟؟؟ ألا نرى أن حارس البستان إذا غفل عن حراسة حديقته :
ما أيسر على اللصوص أن يسرقوا وينتهبوا أحسن وأحلى الثمار !!
كذلك أنت أيها الإنسان ..

في الوقت الذي تغفل فيه عن حراسة قلبك ، وتنصرف عن الاهتمام به .. فما أيسر على شياطين الإنس والجن أن يتخطفوك ثم يتلاعبوا بك كيفما شاءوا ..!!
ارحم نفسك في دنياك قبل أن تعض بنان الندم ، وأصابع الحسرة ..
وفكر كثيرا وطويلا في مثل هذه المعاني .. ثم شمر للسفر ، وعش مع ربك لتجد نسيم الحياة وسعادتها ..

واستعن بالله ولا تعجز .. ولا تيأس أبدا أبدا .. وبالله التوفيق
khaledkrom

الخميس، 28 مايو 2009

الأدلة القرأنية والسنه النبوية لى الأخافة من الله عزوجل سبحانه وتعالى


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وبعد

منزلة الخوف من أجل منازل العبودية وأنفعها وهي فرض على كل أحد قال تعالى : { فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين }

وقيل في معنى الخوف أقوال عديدة منها أنه ألم يلازم القلب المقبل على الله بسبب توقع المكروه في المستقبل
وهي منزلة عظيمة تبعث على عمل الطاعات وترك المنهيات وقمع الشهوات

والخوف أنواع هي :
1- الخوف من وعيد الله الذي توعد به العصاة وهذا من أعلى مراتب الإيمان .

2- خوف السر وهو خوف التعبد والتقرب الذي يمنع صاحبه من معصية من يخافه خوفاً من أن يصيبه بالفقر أو يسلبه نعمة ونحو ذلك ( بقدرته ومشيئته )
وهذا الخوف لايجوز صرفه إلا لله ومن صرفه لغير الله فقد أشرك شرك أكبر .

3- الخوف المحرم وهو ترك الواجب كالذي يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مخافة الناس أو كحال بعض الوالدين الذين يمنعان أبنائهم من مصاحبة الصالحين خوفاً عليهم من الأمن .

4- خوف طبيعي كالخوف من العدو أو السبع أو الغرق وهذا لايلام عليه العبد
قال تعالى عن موسى عليه السلام : { فأصبح في المدينة خائفاً يترقب }

وعلى قدر العلم بالله ومعرفته يكون الخوف منه كما قال صلى الله عليه وسلم :
< إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية > ومن قل خوفه من الله فهو جاهل بالله وصفاته وعظيم قدره
قال تعالى : { وما قدروا الله حق قدره } الزمر 67

وقد وعد الله من خافه في الدنيا بالأمن يوم القيامه ففي الحديث القدسي: قال الله تعالى: ((وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين فإن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة)) ابن حبان مرسلاً

وفي وقتنا الحاضر كان لزاماً على كل مسلم ومسلمة أن يسعيا جاهدين إلى أن يزيدا خوفهما من الله ويرعياه ، وأيضاً يزرعا خوف الله في قلوب أبنائهما
وهذا أوجب مايكون في وقتٍ أنتشرت فيه المغريات وعجت فيه الفتن .

من أبرز مظاهر قلة الخوف من الله :

1- تقديم الدنيا اهتماماً على الآخرة والشغف والتعلق بها فتجدون البعض يحرص عليها حرصاً شديداً ولا يريد أن يفوته منها أدنى شيء أما الأخرة فليست ذا بال لديه .

2- أداء بعض العبادات والفرائض وترك بعضها فتجدون مثلاً البعض منهم يؤدي جميع الصلوات في وقتها ماعدا الفجر يؤديها بعد طلوع الشمس أي بعد خروجها وقتها

وأعرف واحده عفى الله عنها حريصة جداً على صلاة التراويح في المسجد
إلا أنها متبرجة تلبس حتى البنطال أمام غير محارمها

وأخرى أشتكت لي أختها أنها لاتعرف الصلاة البته إلا في رمضان
لأنهم قالوا لها لن يقبل الله صيامكِ بدون صلاة فهي لذلك تصلي في رمضان

قال تعالى : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم
إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب .. }

3- المجاهرة بالمعاصي قال صلى الله عليه وسلم : < كل أمتي معافى إلا المجاهرون > فتجدون البعض يفعل المعصية علناً مع علمه بحرمتها ولو وعض لأدعى بأن عمله حرية شخصية
وآخر يستهين بصغائر الذنوب وإذا وجهه أحد قال الله غفور رحيم

وقد قال صلى الله عليه وسلم < أياكم ومحقرات الذنوب > هذه المجاهرة دلالة على قلة الخوف من الله

ولو تأمل عظمة الله وشديد عقابه لما تجرأ على عمل مافعله وقد قيل
( لاتنظر إلى صغر المعصية ولكن أنظر إلى من عصيت )

4- منها مانلاحظه من عدم الخشوع في الصلوات وعدم التدبر والتأثر حين تلاوة كلام الله الذي لو نزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله .

5- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلو رأى من يفعل المنكرات الظاهرة
لايسعى إلى تغيير المنكر بل يتركهم ويسكت خشية أن يلحقه أذى قولي

أو يقول لادخل لنا بالناس كلاً سيلقى جزاء عمله أو يقول وهل سأغير أنا هذا الكون وغيره مما يمليه عليه الشيطان ليحبطه به وهذا بدون شك يدل على ضعف إيمانه وقلة خوفه من الله قال تعالى :
{ لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون } المائدة

ثم أخوتي وأخواتي لو تركنا الأمر بالمعروف أنا وأنت وأنتِ وهو وهي
وجميع المسلمين ماذا سيكون حال أمتنا ؟ نعم إن الله ناصر دينه عملنا أو لم نعمل

ولكن الله جعل لكل شيء سبباً ويسر له السبل فنحمدالله الذي هدانا ثم يسر لنا خدمة دينه ووفقنا لأداء ما أوجبه علينا من الدعوة إليه ( نسأل الله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا )

بعض الأمور الباعثة على الخوف من الله:

أي التي تحي خوف الله في قلوبنا
1- تذكر ماسلف من الذنوب واليقين بأن كل صغيرة وكبيرة مسجلة علينا قال جل وعلا: { ويقولون ياويلتنا مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ماعملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً }
2- تذكر الموت وسكرته وكربته والقبر وظلمته ووحشته وعدم الصاحب والأنيس ومابعده من الحشر والحساب.
3- تذكر عذاب جهنم وشدة العقوبة فيها وما أعده الله لأهلها من السلاسل والأغلال والزقوم والضريع

وتذكر كثرة الخصماء يوم القيامة الكل منهم يشكو مظلمته بين يدي الله من
غيبة أو نميمة أو سلب حق أو البهتان أو إلحاق أذى أو غير ذلك
كلٌ تعلق برقبته ورقبتها يطلب حقه حينها سيرجف قلبه ويرجف قلبها خوفاً من الله .

4- تدبر آيات الله في كتابه والبكاء والتباكي والتخشع حين قراءته ومنها آية البكائين تلك الآية التي كانت تبكي كثيراً من السلف طويلاً وهي قوله تعالى : { وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون } .

5- ذكر قدرة الله وسطوته وشديد عقابه ويقابلها ذكر ضعفك وضعفكِ عن احتمال عقابه فلا يستهان بمعصيته وكيف لنا أن نستهين بمعصيته وقد حبس في بطن الحوت نبياً من صفوة عباده خرج بين ظهراني قومه دون أمر من الله أو أستئذان فإذا كان هذا حال نبيٌ كريم فكيف بحالنا نحن .

6- أن نقرأ ونسمع قصص من أمتلأت قلوبهم من خشية الله كما حدّث أنس رضي الله عنه بقوله :
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ماسمعت مثلها قط قال :
< لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً > فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين .

فإذا كان هذا حال الصحابه وقد جمعوا بين الخوف من الله وحسن العمل فكيف بحالنا
نحن وقد جمعنا بين الأمن من مكر الله وسوء العمل .

وهناك قصة شاب من مصر ذهب لدراسة العلم في جامعة الأزهر وسكن لوحده
وكان يومه مابين الجامعة والمسجد والبيت وكان في طريقة يمشي بوقار ولا يلتفت إلى النساء

لاحظته جارته الشابة وفُتنت به والعياذ بالله .. فأتته في إحدى الليالي
وطرقت عليه الباب وكان يقرأ في كتب العلم على مصباح ( سراج )
ولما فتح الباب وجد به فتاة جميلة .. فقالت له لقد عدة إلى البيت متأخرة وطرقت الباب ولم يفتح لي أهلي والليلة كما ترى باردة فهل تأذن لي بالمكوث عندك حتى الصباح ثم أذهب لأهلي ؟

فأدخلها ثم جلس يقرأ بكتب العلم على سراجه فدخلت عليه في غرفته
وصدق رسول الله ماخلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما
ولما حدثته نفسه بها أخذ أصبعه ووضعه في نار السراج وقال لنفسه
( ذق هل تطيق على النار صبراً )
ثم يكف أصبعه وهكذا هو طوال ليلة كلما حدثته نفسه بها وضع أصبعه
في النار وقال ( ذق هل تطيق على النار صبراً )
ذُهلت الفتاة منه وفي الصباح الباكر ذهب إلى بيتها وذكرت وأفصحت لأبيها
مافعلته ومافعل ذلك الشاب وأقسمت بالله أن لاترضى بغيره زوجاً لها فأخذها أبوها وزوجها به.

7- ومما يزيد الخوف من الله سماع قصص الذين ساءت خاتمتهم والخوف من سوء الخاتمة فإنما الأعمال بالخواتيم وللحديث: ((إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) متفق عليه .
وختاماً أخي وأختي لايغرنكما رؤية نفسيكما مجتهدين في الطاعات فحق الله علينا أكبر مما قدمنا كما أن كل ماقدمنا لايوازي أصغر نعمة أنعم الله بها علينا

أضيفا إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : < لن ينجي أحداً منكم عمله قالوا ولا أنت يارسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته > رواه البخاري .

وليكن أمام ناظرنا دائماً أن قلوبنا بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيفما شاء فلنسأل الله التثبيت دوماً


اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ماتبلغنا به جنتك
اللهم إنا نشكو إليك قسوة قلوبنا ونسيان أخرتنا ونسيان العمل بديننا
فاللهم لين قلوبنا بالإيمان واجعل الآخرة هي دار المقام

سبحان ربك رب العزة عم يصفون وسلام على المرسلين
والحمدلله رب العالمين

هكذا تظل معجزة القرآن باقية حتى داخل 'إسرائيل' نفسها !!

في إطار المحاولات الإسرائيلية هذه الأيام لدراسة القرآن الكريم دراسة حديثة، وإعادة فهم صيغه نشر موقع 'وله' الإخباري العبري موضوعاً حول القرآن الكريم والترجمات اليهودية، أشار فيه إلى قيام البروفيسور 'أوري روبين' الأستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة تل أبيب بإعداد ترجمة حديثة للقرآن الكريم لتكون بذلك أول عمل في هذا الخصوص في القرن الجديد في 'إسرائيل'.يقول التقرير إن البروفيسور اليهودي يقوم بإعداد هذه الترجمة منذ عامين وبضعة شهور، وسوف تكون الترجمة هذه المرة كاملة لكافة سور القرآن الكريم البالغ عددها 114 سورة، حيث سيعتمد أوري على إعداد هذه الترجمة في مجلدين معتمداً على لغة عبرية حديثة ومعاصرة، وليست مثل الترجمتين الأخيرتين ترجمة بلغة عبرية قديمة، لا تجد إقبال على قراءتها نظراً لاندثار هذه اللغة، وهجرة آلاف اليهود من الدول الغربية الذين لا يجيدونها على الإطلاق .. وهي اللغة التي يتم بها قراءة الكتب الدينية اليهودية العهد القديم، والتلمود والمشنا.يقول أوري بعد قيامه بترجمة أكثر من نصف القرآن الكريم إلى العبرية حتى الآن: 'وجدت في القرآن سحراً كبيراً سواء في شكل حروفه أو بسبب كونه مكتوباً بصورة نثرية غاية في الإتزان والإيقاع الصوتي غاية في التميز.لقد وجدت في القرآن مستويات متباينة من جهة المضمون: فمثلاُ نجد الحديث عن نار جهنم – وكلنا نعرف نار جهنم – يتحدث عنها القرآن من منطلق الترهيب، وهو في ذلك يقدم صور مُفزعة حقيقية .. ثم ينتقل القرآن إلى وصف الجنة – جنة عدن التي نعرفها أيضاً – فتجده يتحدث عنها بصورة غاية في الجمال، خاصة بعد أن يقدم مغفرة الله وتوبته على عباده المؤمنين العصاه التائبين إليه لقد وصف القرآن الجنة كأحسن ما يكون الوصف، حيث الإحساس الصادق بها، وبجمال الجنة وعظمتها .. وفي مستوى أخر يقدم القرآن وجبة كاملة من الشرائع والقوانين الحياتية اليومية، وكل هذا لما؟أعتقد أنني توصلت إلى أن القرآن يريد أن يخلق على الأرض إنساناً كاملاً، ولن يتأتى هذا إلا بعد أن يُطبق ما جاء فيه، فهو يقدم للإنسان مفتاح الطريق نحو الكمال'. كل هذه الأسباب دفعت البروفيسور اليهودي إلى الإعتراف بصعوبة الترجمة، لأنه يريد إخراج ترجمة واقعية جداً لكل جزء دون الإخلال بالإحساس الجمالي للجنة مثلاً، وللإحساس الترهيبي من النار .. فهو يشير إلى أن الإحساس بالقرآن وبأشكال حروفه المتناسقة أمر يصعب ترجمته، موضحاً أنها لغة عربية أخرى غير التي نطالعها كل يوم في الصحف والمجلات والكتب.هكذا تظل معجزة القرآن باقية حتى داخل 'إسرائيل' نفسها، وتخرج شهادات الاعتراف بأنه كتاب الله المنزل من قلوب اليهود أنفسهم لكنه التكبر اليهودي منذ قديم الأزل، وحتى تقوم الساعة....

الكاثوليك .. الأرثوذكس .. المارون .. البروتستانت بين القصرين !!

الكاثوليك .. الأرثوذكس .. المارون .. البروتستانت

بسم الله الرحمن الرحيمفيما يلي تهذيب واختصار وتقريب لما جاء في كتاب" الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام " للدكتور علي عبد الواحد وافي ، عن فرق النصارى والتعريف بها ، وجدتُ أنه قد أجاد عرضه بوضوح وسلاسة ؛ حفزتني على نقله للقارئ لعله يستفيد منه .ومن أراد المزيد فعليه بأصل الكتاب ، أو رسالة الدكتور سعود الخلف - حفظه الله - " دراسات في الأديان : اليهودية والنصرانية " ، أوغيرها من كتب الأديان أو الموسوعات
.قال الدكتور ( ص 120-146) :( اجتازت العقيدة المسيحية مرحلتين أساسيتين: المرحلة الأولى من بعثة المسيح إلى مجمع نيقية سنة 425م، والمرحلة الثانية من مجمع نيقية إلى الوقت الحاضر. وسنتكلم على كل مرحلة منهما على حدة:المرحلة الأولى: من بعثة المسيح إلى مجمع نيقية سنة 325م:كانت المسيحية في فاتحة هذه المرحلة –كما ينبئنا القرآن- ديانة توحيد تدعو إلى عبادة إله واحد، وتقرر أن المسيح إنسان من البشر أرسله الله تعالى بدين جديد وشريعة جديدة كما أرسل رسلاً من قبله، وأن الإرهاصات التي سبقت بعثته والمعجزات التي ظهرت على يديه بعد رسالته هي من نوع الإرهاصات والمعجزات التي يؤيد الله تعالى بها رسله، وأن خلقه بدون أب ليس إلا إرهاصاً من هذه الإرهاصات، وأن أمه صديقة من البشر قد كرمها الله فنفخ فيها من روحه فحملت بالمسيح.ولكن لم تمض بضع سنين على رفع المسيح حتى أخذت مظاهر الشرك والزيغ والانحراف تتسرب إلى معتقدات بعض الفرق المسيحية، وافدة إليها أحياناً من فلسفات قديمة، وأحياناً من رواسب ديانات ومعتقدات كانت سائدة في البلاد التي انتشرت فيها المسيحية والتي احتك بأهلها المسيحيون.فانقسم حينئذ المسيحيون إلى طائفتين: طائفة جنحت عقائدها إلى الشرك بالله؛ وطائفة ظلت عقائدها محافظة على التوحيد، وضم كل طائفة من هاتين الطائفتين تحت لوائها فرقاً كثيرة:( أ ) فمن أهم الفرق التي انحرفت عقائدها في هذه المرحلة : فرقة المرقيونيين ، وفرقة البربرانية ، وفرقة الأليانية ، وفرقة التثليث .1 - أما فرقة "المرقيونيين" فإنها تنسب إلى مرقيون أو مرسيون Marcion وهو من رجال القرن الثاني الميلادي، وكان قسيساً، ثم حكم عليه بالطرد والحرمان، ويقوم مذهبه على الاعتقاد بوجود إلهين: أحدهما الإله العادل Dieu Juste أو الإله ديميورج Demiurge أي الخالق والمهندس، وهو الإله الذي اتخذ من بني إسرائيل شعباً مختاراً وأنزل عليهم التوراة، والآخر الإله الخير Dieu Bon الذي ظهر متمثلاً في المسيح وخلص الإنسانية من خطاياها، وقد كان للإله الأول السلطان على العالم حتى ظهر الإله الثاني فبطلت جميع أعمال الإله الأول وزال سلطانه.ومن ثم يقوم هذا المذهب على اطراح العهد القديم (كتب اليهود المقدسة) في جملته وتفاصيله، ولا يعترف كذلك بمعظم أسفار العهد الجديد، والأسفار القليلة التي يعترف بها من أسفار هذا العهد، وهي إنجيل لوقا ورسائل بولس، لا يعترف بها إلا بعد أن يدخل على نصوصها تغييرات كثيرة تخرجها عن أوضاعها ومدلولاتها الأولى.ولعل هذا المذهب متأثر بالديانة الزرادشتية الفارسية في مراحلها الأخيرة، فقد انتهى الأمر بالزرادشتيين إلى الاعتقاد بوجود إلهين، إله للخير وكانوا يسمونه أهورا مزدا، وإله للشر وكانوا يسمونه أهريمان.وعلى الرغم من الحرب الشعواء التي شنتها الكنيسة على هذا المذهب فإنه قد انتشر وتبعه خلق كثير في إيطاليا وأفريقيا ومصر، وظل كذلك حتى منتصف القرن الثالث، أي حتى انتهاء المرحلة التي نتحدث عنها، ثم أخذ يضمحل ويتناقص اتباعه تناقصاً كبيراً، ولكنه لم ينقرض انقراضاً تاماً إلا حوالي القرن العاشر الميلادي.2-وأما فرقة "البربرانية" فكانت تذهب إلى القول بألوهية المسيح وأمه معاً، ويقرر ابن البطريق مذهب هذه الفرقة فيقول: "ومنهم من كان يقول إن المسيح وأمه الإلهان من دون الله وهم البربرانية، ويسمون الريميتيين". ولعل هؤلاء هم الذين يشير إليهم القرآن الكريم فما يخاطب به الله تعالى عيسى بن مريم إذ يقول: (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق)، وإذ يرد عليهم في قوله: (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام).هذا، وقد أوشكت هذه الفرقة على الانقراض كذلك في نهاية المرحلة التي نتحدث عنها، وإن كان يبدو من ذكرها في القرآن أنه كان لا يزال لمذهبها اتباع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام (القرن السابع الميلادي).3-وأما فرقة إليان فيؤخذ مما ذكره في صددها ابن البطريق والشهرستاني في الملل والنحل أنها كانت تؤله المسيح وتقرر أنه ابن الله وتصور حقيقته وحمل أمه به وقصة صلبه في صورة خاصة، فتذهب إلى أن مريم لم تحمل به كما تحمل النساء بالأجنة ، وإنما مر في بطنها كما يمر الماء في الميزاب.وقد أوشكت هذه الفرقة على الانقراض في نهاية المرحلة التي نتحدث عنها، وإن كان يبدو مما ذكره الشهرستاني في صددها إذ يقول: "وهؤلاء يقال لهم الإليانية، وهم قوم بالشام واليمن وأرمينية"، أنه كان لا يزال لهذه الفرقة أتباع في مصر (القرن السادس الهجري والثالث عشر الميلادي).4-وأما فرقة التثليث وألوهية المسيح فهي الفرقة التي تذهب إلى أن الإله ثلاثة أقانيم وهي الأب والابن وروح القدس، وأن الابن أو الكلمة هو المسيح، وكانت كنيسة الإسكندرية من أشد الكنائس تعصباً لهذا المذهب الذي أصبح المذهب الرسمي المقرر لجميع الفرق المسيحية بعد مجمع نيقية سنة 325م، كما سيأتي .(ب)ومن أهم الفرق التي ظلت عقائدها محافظة على التوحيد فرقة أبيون وفرقة بولس الشمشاطي وفرقة أريوس.1-أما فرقة أبيون أو الأبيونيين ؛ فكانت تقر جميع شرائع موسى، وتعتبر عيسى هو المسيح المنتظر الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم، وتنكر ألوهية المسيح وتعتبره مجرد بشر رسول.2-وأما فرقة الشمشاطي فهم أتباع بولس الشمشاطي ، وكان بولس هذا أسقفا لأنطاكية منذ سنة 260م. وأنكر ألوهية المسيح وقرر أنه مجرد بشر رسول، وقد عقد بأنطاكية من سنة 264 إلى سنة 269 ثلاث مجامع للنظر في شأنه، وانتهى الأمر بحرمانه وطرده، وقد بقي لمذهبه أتباع على الرغم من ذلك حتى القرن السابع الميلادي.3-وأما الأريوسيون فهم أتباع أريوس، وكان قسيساً في كنيسة الأسكندرية، وكان داعياً قوي التأثير، واضح الحجة، جريئاً في المجاهرة برأيه، وقد أخذ على نفسه في أوائل القرن الرابع الميلادي مقاومة كنيسة الإسكندرية فيما كانت تذهب إليه من القول بألوهية المسيح وبنوته للأب، فقام يقرر أن المسيح ليس إلهاً ولا ابناً لله إنما هو بشر مخلوق ، وأنكر جميع ما جاء في الأناجيل من العبارات التي توهم ألوهية المسيح.وما زال مذهبه يضمحل ويتناقص عدد أتباعه حتى انقرض كل الانقراض في أواخر القرن الخامس الميلادي.المرحلة الثانية: من مجمع نيقية سنة 325م إلى الوقت الحاضر:في سنة 325م أمر قسطنطين إمبراطور الرومان بأن يعقد مجمع ديني يضم ممثلين لجميع الكنائس في العالم المسيحي للفصل في أمر الخلاف بين أريوس ومعارضيه، ولبيان أي الرأيين يتفق مع الحق، ولتقرير مبدأ صحيح يعتنقه المسيحيون فيما يتعلق بألوهية المسيح، ولاتخاذ ما ينبغي اتخاذه من قرارات أخرى في شئون العقيدة والشريعة، فاجتمع في نيقية ثمانية وأربعون وألفان من الأساقفة، ولكنهم اختلفوا اختلافاً كبيراً ولم يستطيعوا الإجماع على رأي، ويظهر أن قسطنطين كان يجنح للرأي القائل بألوهية المسيح، فاختار من بين المجتمعين ثمانية عشر وثلاثمائة من أشد أنصار هذا المذهب، وألف منهم مجلساً خاصاً وعهد إليهم أمر الفصل في هذا الخلاف واتخاذ ما يرون اتخاذه من قرارات أخرى في شئون العقيدة والشريعة، على أن تصبح قراراتهم مذهباً رسمياً يجب أن يعتنقه جميع المسيحيين، فانتهوا إلى عدة قرارات كان من أهمها القرار الخاص بإثبات ألوهية المسيح وتكفير أريوس وحرمانه وطرده وتكفير كل من يذهب إلى أن المسيح إنسان، وتحريق جميع الكتب التي لا تقول بألوهية المسيح وتحريم قراءتها.وبذلك تقرر التثليث في الديانة المسيحية، وأصبح هو العقيدة الرسمية التي يجب أن يعتنقها كل مسيحي، ويحكم بكفر من يقول بغيرها، وأخذت المذاهب المسيحية الأخرى التي كانت منتشرة عند بعض الفرق المسيحية في المرحلة الأولى، والتي أشرنا إليها فيما سبق، تتلاشى شيئاً فشيئاً، ويتضاءل عدد أتباعها، حتى انقرضت كل الانقراض، سواء في ذلك مذاهب الفرق التي كانت محافظة على التوحيد، أم مذاهب الفرق التي انحرفت عن التوحيد إلى عقائد أخرى غير عقيدة التثليث، ولا نجد الآن أية كنيسة مسيحية ولا أية فرق من المسيحيين لا تقول بالتثليث، ولكنهم جميعاً، مع ذلك يتسترون وراء كلمات التوحيد، فيقولون "تثليث في وحدية" أو "وحدية في تثليث" !! مع أنه لا يمكن أن يكون التثليث وحدانية ولا الوحدانية تثليثا: (لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة، وما من إله إلا إله واحد).تقرر التثليث إذن في الديانة المسيحية على الوجه الذي سبق بيانه، وأجمع على اعتناقه المسيحيون جميعاً. غير أنهم مع إجماعهم على هذه العقيدة، قد اختلفوا فيما بينهم في أمور فرعية أخرى من عقائدهم وانقسموا إلى طوائف كثيرة، وأعطت كل طائفة لنفسها، نتيجة لهذا الاختلاف، لقباً خاصاً بها، ولكنها ما كانت تخرج في ذلك عن أحد لقبين وهما الكاثوليكية والأرثوذكسية.فاختلفوا في طبيعة المسيح: هل طبيعته طبيعة واحدة لأنه إله؟ أم أن له طبيعتين طبيعة إلهية وطبيعة إنسية ؛ لأنه ابن الله وابن الإنسان معاً (فقد جاء من مريم، ومريم من البشر) فيكون بذلك قد اجتمع فيه اللاهوت بالناسوت على حد تعبيرهم.وقد أخذت بالمذهب الأول، وهو أن للمسيح طبيعة واحدة، وهي الطبيعة الإلهية، ثلاث كنائس صغيرة من الكنائس التي سمت نفسها الأرثوذكسية: إحداها الكنيسة الأرثوذكسية في مصر والحبشة (وتسمي نفسها كذلك الأرثودكسية المرقسية نسبة إلى الرسول مرقس صاحب الإنجيل، لأن بطاركتها يعتبرون أنفسهم خلفاء لهذا الرسول ). وثانيها الكنيسة الأرثوذكسية السريانية التي يرأسها بطريرك السريان ويتبعها كثير من مسيحيي آسيا، وثالثها الكنيسة الأرثوذكسية الأرمنية. ومع أن الأرمن يتفقون مع الكنيستين السابقتين في القول بالطبيعة الواحدة للمسيح فإنهم يختلفون عنهما في بعض التقاليد والطقوس، ولهم بطاركة يرأسونهم، ولا يندمجون مع الكنيسة السريانية ولا مع الكنيسة المصرية، وبذلك انفصلت هذه الكنائس الثلاث عن بقية كنائس المسيحيين .وقد اكتسب هذا المذهب قوة بعد أن انتصر له في القرن السادس الميلادي داعية قوى الحجة، بليغ الأثر، جرئ في الجهر برأيه، اسمه يعقوب البرادعي ، حتى لقد أطلق على هذا المذهب اسم المذهب اليعقوبي وعلى أنصاره اسم اليعاقبة أو اليعقوبيين.وأخذت بالمذهب الآخر، وهو أن للمسيح طبيعتين طبيعة إلهية وطبيعة إنسية، أي اجتمع فيه اللاهوت بالناسوت، جميع الكنائس الأخرى، وقرر هذا المذهب في صورة حاسمة في مجمع خليكدونية المنعقد سنة 451، فقد انتهى هذا المجمع بعد خلاف كبير بين أعضائه إلى القول بأن للمسيح طبيعتين لا طبيعة واحدة، وأن الألوهية طبيعة وحدها والناسوت طبيعة وحده التقتا في المسيح.وقد انتصر الإمبراطور الروماني لهذا المذهب، بل إنه هو الذي عمل على اجتماع مجمع خليكدونية لينتهي إلى تقرير هذا الرأي في صورة حاسمة، ومن ثم يطلق على هذا المذهب اسم المذهب الملكي أو الملكاني نسبة إلى الملك أي إمبراطور روما.ظهور " المارونية " :وقد ظلت الكنائس التي تقول بالطبيعتين متحدة في جمع آرائها المتعلقة بشخص المسيح إلى أن ظهر في القرن السابع الميلادي (سنة 667) يوحنا مارون، فذهب إلى أن المسيح، مع أنه ذو طبيعتين، له مشيئة واحدة وإرادة واحدة وهي المشيئة الإلهية والإرادة الإلهية، لالتقاء الطبيعتين في أقنوم واحد إلهي وهو الابن أو الكلمة، وقد شايعه في هذا الرأي بعض مسيحيي آسيا، ولم ترق هذه المقالة في نظر بابوات روما ورؤساء الكنيسة الكاثوليكية، فأوعزوا إلى الإمبراطور أن يجمع مجمعاً ليقرر أن المسيح ذو طبيعتين وذو مشيئتين بعد أن استوثقوا من أن الإمبراطور يشاركهم هذا الرأي، فاجتمع لذلك مجمع القسطنطينية السادس سنة 680م وكان مؤلفاً من 289 أسقفا وانتهى إلى إصدار قرار بكفر يوحنا مارون ولعنه وطرده وكفر كل من يقول بالمشيئة الواحدة .وقد نزلت بعد ذلك بأصحاب المذهب الماروني القائل بالمشيئة الواحدة اضطهادات شديدة، فأخذوا يفرون بدينهم من بلد إلى بلد إلى أن انتهى بهم المطاف في جبل لبنان، واشتهروا بلقب المارونيين، وظلوا مستقلين في شئونهم الدينية إلى أن قربتهم إليها كنيسة روما فأعلنوا في سنة 1182 الطاعة لها مع بقائهم على مذهبهم القائل بالمشيئة الواحدة، ولا تزال هذه الطائفة متوطنة في جبل لبنان، وإن كان قد هاجر منها عدد كبير إلى قارة أمريكا وغيرها، ولها بطريرك خاص، وإن كان يقر بالرياسة لبابا الكنيسة الكاثوليكية بروما.وقد ظلت الطوائف القائلة بالطبيعتين والمشيئتين متفقة في آرائها إلى أن نشب بينها في منتصف القرن التاسع خلاف بشأن الأقنوم الذي انبثق منه روح القدس، فذهب بعض الطوائف إلى أن انبثاق روح القدس كان من الأب وحده، وذهب بعضها الآخر إلى أن انبثاقه كان من الأب والابن معاً.وكان ذلك سبباً في انقسام الكنائس القائلة بالطبيعتين والمشيئتين إلى كنيستين رئيسيتين:إحداهما: الكنيسة الشرقية اليونانية؛ ويقال لها كذلك الكنيسة الشرقية فقط وكنيسة الروم الأرثوذكسية، وهي التي يذهب أتباعها إلى أن روح القدس منبثق عن الأب وحده، والمشايعون لها أكثرهم في الشرق وبلاد اليونان وتركيا وروسيا والصرب وغيرها.وثانيتهما: الكنيسة الغربية اللاتينية، ويقال لها كذلك الكنيسة الغربية فقط، وكنيسة روما، والكنيسة الكاثوليكية، وهي التي تذهب إلى أن روح القدس منبثق عن الأب والابن معا، والمشايعون لهذه الكنيسة أكثرهم في الغرب في بلاد إيطاليا وفرنسا وبلجيكا وأسبانيا والبرتغال وأمريكا الجنوبية وبلاد أخرى كثيرة.ولما أحيط به رئيس كنيسة روما من تقديس بين مشايعيه وعند الملوك ورؤساء الدول، ولكثرة معتنقي مذهبه، تتساهل الكنيسة الشرقية فتعترف له بالتقدم لا بالسلطان.ظهور " البروتستانتية " :في أوائل القرن السادس عشر ظهر في العالم المسيحي، بجانب النحل السابق ذكرها، نحلة جديدة أطلق عليها اسم " البروتستانتية " أي نحلة الاحتجاج أو الاعتراض ، وأطلق على معتنقيها اسم "البروتستانت" أي المحتجين أو المعترضين. وقد دعا إلى ظهور هذه النحلة أمور كثيرة يرجع أهمها إلى مظاهر الفساد التي بدت في كثير من شئون الكنيسة الكاثوليكية ومناهجها وطقوسها، وما أحدثته من بدع، ومسلك قسيسيها والقوامين عليها، وإلى تحكمها في تفسير كل شيء، ومحاولة فرض آرائها على جميع أتباعها حتى الآراء التي لا علاقة لها بالدين ؛كالآراء المتعلقة بظواهر الفلك والطبيعة وشئون السياسة ونظم الحكم وما إلى ذلك.لهذه الأسباب وأسباب أخرى كثيرة من هذا القبيل ظهر في القرن السادس عشر دعاة للإصلاح الديني وتخليص المسيحية من هذه الأدران، وتكونت من إصلاحاتهم نحلة جديدة هي النحلة البروتستانتية. وكان على رأس هؤلاء المصلحين مارتن لوثر الألماني ، وزونجلي السويسري ، وكلفن الفرنسي.أما مارتن لوثر (1483-1546) فهو أسبقهم جميعاً وإليه تنسب النحلة البروتستانتية أكثر مما تنسب إلى غيره ، وقد ثار أول الأمر ضد صكوك الغفران وأعلن بطلانها وكتب في ذلك احتجاجاً علقه على باب الكنيسة (ومن ثم سميت نحلته بالبروتستانتية أي نحلة الاحتجاج أو الاعتراض). فأصدر البابا قراراً بحرمانه واعتباره كافراً زائغ العقيدة، فلم يأبه لهذا القرار بل عمد إلى الإنذار الذي أرسل إليه في هذا الصدد فأحرقه في ميدان من أكبر ميادين المدينة في جمع حاشد من الناس، فجمع البابا سنة 1520 مجمعاً قرر محاكمته، فلم يذعن مارتن لوثر لهذا القرار. ولما حاول الإمبراطور في سنة 1529 أن ينفذ هذا القرار ثار أنصار لوثر واحتجوا على ذلك (ومن ثم سمي أتباع هذه النحلة بالبروتستانت أي المحتجين). وأخذ لوثر من ذلك الحين ينشر مبادئه المعارضة للكنيسة الكاثوليكية، التي تكونت منها النحلة البروتستانتية. وأخذ الناس يدخلون في نحلته أفواجاً.وأما زونجلي السويسري ((1484-1531) فقد ظهر في العصر نفسه الذي ظهر فيه لوثر ودعا إلى كثير مما دعا إليه لوثر في شئون الدين، وثار على صكوك الغفران وغيرها من مفاسد الكنيسة الكاثوليكية وتبعه كذلك خلق كثير. ولكنه مات قتيلاً في أثناء صراع وقع بين أنصاره وأنصار الكنيسة الكاثوليكية. وكانت دعوته منفصلة عن دعوة لوثر وإن التقت معها في مبادئها.وأما كلفن الفرنسي (1509-1564) فقد قام بعد لوثر بالدعوة إلى البروتستانتية ونشر مبادئها وألف في ذلك بحوثاً ورسائل كثيرة نشر معظمها بعد فراره إلى جينيف بسويسرا. فإليه يرجع تنظيم البروتستانتية وتحرير مبادئها.وقد انتشرت البروتستانتية في كثير من بلاد العالم النصراني ، ويعتقنها الآن معظم أهل ألمانيا والدانمرك وسويسرا وهولندا والسويد والنرويج وإنجلترا واسكتلنده وايرلندة الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية؛ وأخذت الآن بسبب جمعيات التنصير البروتستانتية وعظيم نشاطها وواسع إمكانياتها المالية وإخلاص رجالها لمبادئها، تغزو كثيراً من معاقل الكاثوليكية والأرثوذكسية، وتنتشر في السودان الجنوبي وأواسط أفريقيا والصين واليابان.هذا، ولا تختلف البروتستانتية عن النحل السابقة فيما يتعلق بجوهر العقيدة،فهي مثلها تؤمن بالتثليث وألوهية المسيح وبنوته لله وصلبه وقيامته ورفعه وحسابه للعالم يوم القيامة وبأنه صلب لتكفير الخطيئة الأزلية التي ارتكبها آدم وعلقت بجميع نسله.. وما إلى ذلك من الأمور التي استقرت عليها العقيدة النصرانية.وإنما تختلف البروتستانتية عن غيرها من النحل المسيحية بوجه عام وعن الكاثوليكية بوجه خاص في أمور فرعية من أهمها ما يلي:1-تستمد البروتستانتية جميع الأحكام المتعلقة بالعقائد والعبادات والشرائع من الكتاب المقدس وحده، ولا تقيم لغيره وزناً في هذا الصدد إلا إذا كان تفسيراً معقولاً لما ورد في هذا الكتاب؛ على حين أن الكنائس الأخرى تستمد أحكامها من الكتاب المقدس ومن قرارات المجامع وآراء البابوات ورؤساء الكنائس، ومن ثم سميت الكنائس البروتستانتية الكنائس الإنجيلية لاعتمادها على الإنجيل خاصة وعلى سائر أسفار الكتاب المقدس بوجه عام، بينما سميت الكنائس الأخرى الكنائس التقليدية لاعتمادها على التقاليد المستمدة من المجامع ومن آراء رؤساء الكنيسة ، وجعلها لهؤلاء الرؤساء سلطاناً في تقرير حقائق العقائد والعبادات والشرائع.2-لا تقرر البروتستانتية البابوية أو الرياسة العامة في شئون الدين، ولذلك ليس لكنائسهم رئيس عام كما هو الشأن في الكنائس الأخرى، وإنما تجعل لكل كنيسة بروتستانتية رياسة خاصة بها، وليس لها إلا سلطان الوعظ والإرشاد والقيام على شئون العبادات والواجبات الدينية الأخرى،وعلى تعليم مسائل الدين، ولا يسمون رجال الدين قسسا كما هو الشأن في الكنائس الأخرى، وإنما يسمونهم "رعاة" لأنهم يرعون تابعي كنيستهم ويؤدون لهم ما يجب على الراعي أن يؤديه نحو رعيته من واجبات.3-ليس في البروتستانتية نظام الرهبنة، وهي لا تحرم الزواج على رجال الدين كما تحرمه الكاثوليكية على جميع الرهبان والقسس بمختلف درجاتهم.4-تنكر البروتستانتية كل الإنكار أن يكون لرجل الدين الحق في غفران الذنوب في حالة الاحتضار وغيرها، وإنما تجعل ذلك الحق لله وحده، فيقبل إن شاء توبة العاصي ويغفر له ما تقدم من ذنبه، بل إن أهم ما اتجهت البروتستانتية في نشأتها إلى القضاء عليه هو ما كانت تزعمه الكنيسة الكاثوليكية لرجالها من السلطان في محو الذنوب، وما تبع هذا الزعم من نظام صكوك الغفران .5-تقرر البروتستانتية أن الغرض من أكل الخبز وشرب الخمر في العشاء الرباني هو أن يكون وسيلة رمزية لتذكر ما قام به المسيح في الماضي ؛ إذ قدم جسمه للصلب ودمه للإراقة لتخليص الإنسانية من الخطيئة الأزلية ، ولتذكر ما سيقوم به يوم القيامة إذ يدين الناس ويحاسبهم على ما كسبت أيديهم، وبذلك تنكر البروتستانتية كل الإنكار ما تذهب إليه الكنائس الأخرى إذ تزعم أن ما تجريه على الخبز والخمر من طقوس يحولهما إلى أجزاء من جسم المسيح ومن دمه !6-تنكر البروتستانتية إنكاراً باتاً جميع ما تقيمه الكنائس الأخرى للسيدة مريم أم المسيح من طقوس واحتفالات وعبادات وأعياد، وتعتبر ذلك خروجاً على أصول الدين.7-تحرم البروتستانتية ما تسير عليه الكنائس الأخرى من وضع الصور والتماثيل في أماكن العبادة واتجاه المصلين لها بالسجود، معتمدة على تحريم التوراة لذلك وعلى أن شريعة موسى شريعة للمسيحيين إلا ما ورد نص صريح من المسيح بنسخه أو تعديله.8-تحرم البروتستانتية أن تقام الصلاة بلغة غير اللغة المفهومة للمتعبد، كما تفعل الكنائس الأخرى التي تقيمها بلغة ميتة كاللاتينية والقبطية ). انتهى الإختصار والتهذيب .بقي بعد هذا الحديث عن العلاقة الحميمة التعاونية التي نراها اليوم بين " اليهود " متمثلة في دولة إسرائيل ، وبين " البروتستانت " متمثلة في أمريكا ومن معها .. كيف أصبحت كذلك بعد أن كان النصارى بجميع طوائفهم أعداء لليهود إلى وقت قريب ؟!(( كيف تحولت العلاقة بين اليهود والنصارى من عداوة إلى صداقة ؟)) وتجدها على هذا الرابط :

الإجابة عن بعض الإشكالات اللُّغوية في القرآن الكريم! 1


السلام عليكم ..
وجدت على صفحات الشبكة العنكبوتية هذا المقال ..
بصراحة عنوان الموضوع إستفذنى بشدةوكنى وجدت نفسى واقفا حائرا" أمام بعض الفقرات التى تفند بعض الاخطاء الغوية فى القرأن , ,,والكاتب هو : السيد محمد الخباز !!ولم تكن لى سابقة بمعرفة هذا الشخص , ولسوف أسرد اليكم بعض اللقطات التى قام هذا الرجل بى تفنيدها , وستكون على فترات للرد أى مقطتفات كل ايه على حده .
1ـ رفع المعطوف على المنصوب: جاء في سورة (المائدة: 69)، (إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ والنصَارى من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون).وكان يجب أن ينصب المعطوف على اسم إن، فيقول والصابئين كما فعل هذا في سورة (البقرة: 62) و(الحج: 17).
الصابئون هنا معطوف على اسم إن، وهو الذين آمنوا بالرفع وليس بالنصب؛ لأن العطف هنا يكون بحسب الموضع؛ فكأن الآية تقول الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئون، والنصارى، من آمن بالله منهم فلا خوف عليهم.
الاجابه ..
قوله : ((وَالصَّابِئُونَ)):قال السَّمين الحلبي في الدُّر المصون (5/396) :
"في رفعِه تسعة أوجه"، ثم أسهب في بيانها.________الصابئون رفع على الإبتداء,وخبره محذوف, والنية به التأخيرعما في (إن)من إسمها وخبرها,كأنه قيل:إن الذين آمنوا والذين هادوا و النصارى حكمهم كذا,والصابئون كذلك .هذا ما رجحه سيبويه في مخالفة الإعراب,وأنشد شاهدا له:وإلا فاعلمواأنا وأنتم بغاة ما بقينا على شقاقأي فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك. ويكون العطف من باب عطف الجمل,فالصابئون وخبره المحذوف جملة معطوفة على جملة:إن الذين آمنوا,ولا محل لها,كما لا محل للجملة التي عطفت عليها,و إنما قدم (الصابئون)تنبيها على أن هؤلاء أشد إيغالا في الضلالة واسترسالا في الغواية,لأنهم جردوا من كل عقيدة, ومع ظهور ضلالهم وميلهم عن الأديان كلها, يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان, واعتصموا بالعمل الصالح, فغيرهم ممن هو على دين سماوي وكتاب منزل,أولى بذلك.

الثلاثاء، 26 مايو 2009

حياة الأولياء والآيات والسلاطين

الرافضة والإسماعيلية والصوفية : تقوم على مناهج فكرية عجيبة ، وعقائد مخترعة باطلة . تأثر بها الأتباع على غفلة . فأصل تدينهم على فلسفة الطقوس . وتراثهم زاخر في إثبات شرعيتها بطرقهم الخاصة .. أساسها أفكار منحرفة ، ورموز مشبوهة ، وأهواء ضالة ... حاولوا صبغتها بالإسلام وهو منها براء .فهذا الثالوث الفكري لما كان أساسه الهوى .. تشابهت القلوب والأفعال وجمع بينها الهوى من حيث لا يعلمون .تقديس الرموز :التقديس لعلمائهم الأحياء والأموات قاسم مشترك بين هذه الأفكار . و تحت الثقة العمياء يكذبون على الأموات بآثار وهمية وقصص خيالية ، ورؤى منامية . ويقودهم الأحياء باسم العلم اللدنِّي المزعوم ، والكرامات الوهمية ، ومكاشفات ومنامات أصحاب الخلوات .فمراجِع الشيعة يوزعون مفاتيح الجنة . ورهبان التصوف مطلعون على اللوح المحفوظ يمحون ما يشاؤون ويُثبتون . ودهاقنة الإسماعيلية يوزعون صكوك الغفران .. هكذا وزع الشيطان بينهم الأعمال .هكذا استخفوا عقول الأتباع فلاذوا إليهم بالخضوع والتذلل وطلب الشفاعة والرحمة .. ومارسوها بثلم الأقدام ، وتقبيل الرُّكب .. مازال والمعلم بمقام الوالد . وجعلوا قولهم هو الفصل ليس بالهزل . فإذا كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " اللهم من سببته أو شتمته فاجعلها له رحمة " أما هؤلاء فالامتعاض في القلب ، وصَرف الوجه ... ذنب تنوء بحمله الجبال .. فلا رأي ولا مراجعة بين يديه كبيرهم . " لأن التلميذ كالميت بين يدي مغسله " . والشك في تصرفاتهم شكٌ في الدين ، والسجود عند بعضهم ليس بشرك لأنه سجود تكريم وإجلال ـ كما زعموا ـ هذا بعض ما نسمعه ونشاهده ونقرؤه .أما الأموات فعلى قبورهم أيام الحج والثج . فالشيعة اختصوا بيوم عاشوراء على قبر الحسين ، والإسماعيلية على جبال الحطيب عند قبر حاتم الحامدي هنا في اليمن ، والصوفية عند قبر النبي هود ( على عدم صحة القبر ونسبته) و عند ابن علوان و العيدروس .. فتقاسموا القبور والمزارات فيما بينهم .. وصبغوها بخرافات الأجور والثواب .. فهؤلاء عندهم حجتهم تعدل سبعين حجة في البيت الحرام ، وآخرون عندهم يومهم تشد إليه الرحال . فانظر حكمة الباري حينما يطمس على القلوب .والمتأمل لواقعهم وحالهم أن كلاً منهم لا يؤمن بطقوس الآخر ، ولا يؤمن له بمزية .. وإن اتفقوا فيما أُشربوا من الهوى .أجور وحسنات بالمزاد :أما الأجور والحسنات فآلاف مؤلفة بل ملايين تُرفع في تقارير من علمائهم و آياتهم ومريديهم ... مقابل أعمال ضئيلة .. لكن لا تظن أن هذه الأجور في فرائض وأركان الدين . بل هي في ما دون ذلك من الأعمال المحدثة والحقيرة .فالرافضة يزعمون (بحار الأنوار 85/98) أن زيارة قبر الحسين تعدل عند الله تعالى عشرين حجة في مكة ، وعشرين عمره ، وعشرين غزوة مع نبي مرسل ... ومن أتاه يوم عرفة كتبت له ألف حجة ، وألف عمرة ، وألف غزوة ...الخ وهذا للأسف فيه استخفاف كبير بموقف الحجيج يوم عرفة في عرفة . وآخر يُعلن في مزاد علني بأن زيارة قبر نبي الله هود ، وأن شد الرحال لغرض أداء جمعة رجب في جامع الجند خير من الدنيا وما فيها . وغيرها من الأقوال والأساطير التي اكتتبتها أيدي هؤلاء في حالة فقدانٍ للوعي ، وغياب للعقل ، وغربةٍ من الروح والحس . ألا ترى أن هؤلاء أقوام لم يعرفوا لبيت الله تعالى حرمة ، ولم يذوقوا نشوة العَج والثج حول الكعبة المشرفة .. بل استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، وما أحبه من الفرائض والواجبات ، وشغلهم بالبدع المحدثات فعبدوا الشيطان فأضل منهم جبلاً كثيراً وما كانوا يعقلون .معجزات وخوارق :حياة الأولياء والآيات والسلاطين ... مليئة بهذه المعجزات والخوارق.. فمنهم من يزور الحسين بن علي فيعاتبه الحسين إن تأخر ، أو يزوره علي بن أبي طالب إلى بيته . وهذا يصلي في المسجد الحرام الفروض الخمسة لأنه من أصحاب الخطوة . والآخر يصعد إلى السماء ويلقى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويطلع على ما في اللوح المحفوظ من مقادير...الخ فهذه كلها أشبه بقصص وحكايات الإنجيل المحرف ، وهرطقات المسيحيين .فلماذا لم يصنعوا لنا المعجزات والخوارق اليوم مع أمريكا وإسرائيل ؟ ولماذا لم يصنعوا المعجزات والخوارق في العراق وغيرها من بلدان المسلمين ؟ نحن أحوج ما نكون إليها اليوم . فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ معجزاته أنجته من مؤامرات اليهود وكفار قريش في مواقف كثيرة . فهل يخرج لنا هؤلاء البترول ، ويكشفوا لنا الفساد والمفسدين؟.درجة الولاية .. وسقوط التكاليف :من حظهم أنهم يصِلون إلى مكانة علمية طُرقية تسقط عنهم فيها التكاليف ، ويُرفع عنهم القلم . حينها لا يُسألون عما يفعلون .. فهم الأقطاب والأوتاد والآيات والهداة المهديين ، وحجة الله على العباد ، وسيوف الإسلام ، وخلفاء الله في أرضة . أجرى الله على ألسنتهم الحق وإن أخطأوا ظاهراً ..فما يدريك أنه خطأ فلعله الحق بنظره الثاقب وعلمه اللدنِّي . فلا تكليف عليه ولا قلم ، ولا سؤال يوم الحساب . ـ ربنا لا تزغ قلوبنا ـ .العرض الأكبر :أما مظاهر العرض الأكبر عندهم فهي دالة على صدق اليقين ، وقوة الإخلاص ـ حسب زعمهم ـ وهو يوم الأهازيج الممزوجة بالبكاء والنياحة ، وثج الدماء من الرؤوس ، وضرب القامات بالسلاسل.. عند الرافضة . ويوم الرقص والتمايل والجذب ، وضرب الصدور ..على إيقاع الطار استقبالا لجد الحسين ـ كما زعموا ـ عند المتصوفة . وجمعت بين هذا كله الإسماعيلية في ليالي الإفاضة والغدير . وإحياء هذا الليلة بتفاوت من طائفة لأخرى بحسب مراتب الاعتقاد والدين .الألقاب والنياشين :العلماء عند الجميع يحضون بقاموس ألقاب غير معهوده بين غيرهم فهم ما بين : ولي الله ، والحجة ، وآية الله ، وسيف الإسلام ، ومنصور اليمن ، وصاحب الصفوة والخطوة ، وجامع الخيرات ، ...الخ .مدارس تحت الظلام :حتى حِلق العلم لها ذوقها الخاص في اختيار الأسماء ، وتميزوا فيها عن غيرهم فهي : زوايا ، وخلوات ، وحوزات ، وحسينيات ،... الخ .فأفكارهم الظلامية هي التي أملت عليهم ذلك لأنهم يعملون بدون وضوح .. حتى أحاطوا مدارسهم بسياج من التعتيم والتوجس لما يجري فيها .. ومحاولة إخفاء ذلك على مستوى الإعلام أو إنكاره مع الارتباك عند توجيه الأسئلة لهم .والمظاهر .. لها خبر :مظاهر الزي الحسن والثمين ، وفَتْل العمائم البيضاء والسوداء ، وإسدال الثياب ، وتطريز الكوافي ... جمعت بينهم ، وتجد عند البعض خصوصيات في اللون أو الكيفية : فعند الشيعة العمائم السوداء لآل البيت ـ تعبيراً عن حزنهم بمقتل الحسين ـ والبيضاء للآخرين . أما الإسماعيلية فالسلطان وحاشيته له كَور العمامة ، والبقية لهم الكوافي المطرزة .لكن ما هو الخبر في هذه المظاهر ؟ الذي نعرف أن المظهر علاقته بالمال والقروش لا غير . وأن هذا استعراض أمام أصحاب البطون والشهوات ومغناطيس لجذبهم إليهم ؟! والأمر لله .لكن معلوم أن الرافضة والإسماعيلية يعتبرون أن المال أصله موهوب لهم ، يُحرم أن يقع عن طريقهم لمن ليس منهم في أكل أو ملبس لنجاسة المخالف لهم باعتقادهم ، ويمكن صرفها تغليباً للمصلحة فيما لا يؤكل . لهذا لا تجد لهم حملات الإغاثة ، ولا التبرعات الخيرية ...أما المتصوفة الذين يزعمون أنهم أصحاب زهد وتقشف وخشونة ، ونوم على التراب ، وميل إلى الآخرة فقد انكسرت شوكة الميزان عندهم ، ومثَّلوا مفاجأة للأولين والآخرين من المتصوفة في اختلاطهم مع المجتمع الغارق في الشهوات والملذات ، والتقارب مع الرافضة بمثل هذه الخرافات .ويبقى السؤال :ماذا يقول العقلاء في مثل هذه المناهج الفكرية هل تخدم الإسلام أم تخربه ؟!! وما علاقة هذه الطقوس ، وإحياء المواسم والعادات الخرافية في إصلاح النفس والقلب ؟ وهل هذه المظاهر هي الدين الذي بُعث به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومات عليه ؟!!! .

اللهم لا تفتنا في ديننا ، وتوفنا لك مسلمين ، وبرسولك مقتدين . اللهم آمين .

كتبه : خالد كروم

الاثنين، 25 مايو 2009

الأساليب الفنيّة والعاطفيّة في دعوة النصارى


بقلم: د. علي محمد الصلابي
الأساليب العاطفية: والمقصود بالأساليب العاطفية هي تلك الأساليب التي تعتمد في تأثيرها على مخاطبة العاطفة وإثارة المشاعر للحث على أمر ما أو المنع منه (564)، ولأهمية الأساليب العاطفية في الدعوة، فقد كانت من أبرز أساليب الرسل عليهم الصلاة والسلام في دعوة أقوامهم، ومن ذلك مثلاً ترغيب الرسل لأقوامهم بالمغفرة حال الإيمان كقوله تعالى: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ).[إبراهيم: 10]. ودعوة نوح -عليه السلام- لقومه من خلال ترغيبهم بالخير حال الاستجابة قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً). [نوح: 10- 12]. وكانت الأساليب العاطفية من أبرز أساليب القرآن سواء في دعوة المشركين إلى الإيمان أو حث المؤمنين على الزيادة في الخير (565)، وفي عصر الحروب الصليبية كانت بعض الأساليب العاطفية من ضمن الدعوة الموجهة إلى النصارى، ومن تلك الأساليب: أ- أسلوب الترهيب: ومن ذلك مثلاً ما كان يتخلل به القرطبي نقاشه وردوده على القسيس صاحب كتاب تثليث الوحدانية من تخويف له بالنهاية السيئة إذا مات على معتقده، وترهيبه باليوم الآخر، وعند الوقوف للحساب، وذلك كقوله للقسيس بعد تفنيد بعض ما أورده في كتابه من عقائد كفرية: .. وإذا انتهى إنسان إلى هذه المخازي فقد كفر بموسى، وبإله موسى – نعوذ بالله من أنظار تقود في الدنيا إلى الفضيحة والعار، وفي الآخرة إلى الخلود في عذاب النار (566). وفي موضع آخر وبعد مطالبته القسيس الاستعداد للحساب وذلك بالتوبة عن تأليه عيسى واعتقاد نبوّته، خوّفه بعاقبة إصراره على اعتقاده في ذلك اليوم: فكأني والله بك إن متّ على ما أنت عليه يُؤخذ بناصيتك وقدمك، وتحيط بك ملائكة ربك (مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). [التحريم: 6] فتنادى فتقول: يا عيسى، يا سيدي، يا إلهي يا ولد الله، فيقول لك: كذبت ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، ولست بإله، ولم أقل لك كذلك.. فكيف ترى خجلتك بين يديه.. فذلك المقام لا ينفعك فيه ملك مقرب ولا نبي مُرسل، إلاّ مما قدمت يداك من حسن إيمان وصالح عمل.. فإن الملائكة والنبيين لا يشـفعون إلاّ لمـن ارتضى رب العالمين، فالله الله.. انظر في خلاص نفسك لتجني ثمار غرسك (567).ب- أسلوب الاستهزاء والتهكم: في الجهود الدعوية الموجهة إلى النصارى في عصر الحروب الصليبية كثر استخدام هذا الأسلوب من قبل بعض العلماء، وربما كان من أسباب ذلك ما صدر من بعض النصارى ورجال دينهم من كلمات فيها شيء من السخرية والتهكم، سواء في كتاباتهم أو مناقشاتهم أو مناظراتهم مع المسلمين، وذلك تجاه الإسلام ورسوله -صلى الله عليه وسلم- كتداول رسالة ابن غرسيه في الأندلس، والقصيدة التي قيلت على لسان ملك الروم في سبّ الإسلام ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وتداولها في هذه الفترة في الأندلس، وعبارات الحقد والسب والاستهزاء في كتابات بعض مؤرخيهم ورجال دينهم كفوشيه شارتر، وإشارة أحد القساوسة في رسالته لأبي عبيدة الخزرجي إلى كثرة مؤلفات النصارى التي تطعن بالإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتستخف بهما، ومن مظاهر استخدام هذا الأسلوب من قِبل بعض العلماء المسلمين في هذه الفترة تجاه النصارى ما جاء في ثنايا مناقشة نصر بن يحيى المتطبب لبعض عقائد النصارى من عبارات الاستهزاء بعقولهم والاستخفاف بحججهم وطريقة استدلالهم كقولهم: ليس لاعتقادهم أصل يُعوّل عليه، ولا برهان يستند إليه، قد اقتدوا بقوم لا يعقلون، واغتروا بجهال لا يفقهون (568). وقوله: .. لكني أقول: لا إله إلاّ الله تعجباً منكم يا ذوي العقول الضعيفة، كيف تعتقدون الألوهية في إنسان لا يقدر على تخليص نفسه من الأعداء.. فأين قدرته أيها الغافلون؟ وأين تمكّنه أيها المبطلون؟ بئس والله ما تعتقدون، إنما أنتم في طغيانكم تعمهون، حدتم عن الرشاد، وسلكتم طريق العناد، وكفرتم بالرحمن واتبعتم سنن الشيطان (569) ومن مظاهر استخدام هذا الأسلوب لدى القرافي في مناقشته لبعض عقائدهم قوله: .. فأي ضرورة تدعوكم إلى إثبات أنواع الإهانة والعذاب في حق رب الأرباب، على زعمكم أيها الدواب، الذي يفضي من ضعف عقولهم العجب العجاب (570) وفي رد الخزرجي على قسيس طليطلة، كان في قوله في صدر رسالته إليه: أما بعد أيها الأعجمي الألكن، الطاعن على كتاب الله جهلاً، ولا يعرف لخطابه فصلاً، والملتمس له تأويلاً، وأنت لم تؤت من العلم كثيراً ولا قليلاً (571) واشتد القرطبي في استهزائه وتهكمه في بعض حجج ألوهية المسيح لدى النصارى بقوله: وعلى الجملة فهؤلاء القوم أغبياء جاهلون، وعن التوفيق معزولون، فهم عن المعقولات معرضون وبها مستهزئون، لا يستحيون من خالقهم، ولا يتأدّبون مع مالكهم ورازقهم، فسبحان الله عما يقول الجاهلون (572). ولا شك أن استعمال أسلوب التهكم والاستهزاء في السخرية من قبل بعض العلماء المسلمين في جهودهم الدعوية الموجهة إلى النصارى قد يجدي في لفت أنظار البعض منهم إلى ضلال ما هم عليه، وأن ما يقوم عليه اعتقادهم وأساس ديانتهم حقاً محل السخرية والتهكم، فربما يكون ذلك دافعاً لتنفيرهم منه، وبحثهم عن الحق، ومن ثم قبوله (573).ج- أسلوب اللين والتلطّف بالخطاب: كان من أبرز أساليب النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوته بشكل عام اللين والرفق والتلطف بالخطاب؛ فتح الله -عز وجل- به قلوباً غلفاً وآذاناً صماً، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ). [آل عمران: 159]. وقـال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف" (574). وقال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلاّ زانه ولا يُنزع من شيء إلاّ شانه" (575)، وعندما أرسل الله سبحانه وتعالى موسى وأخاه هارون إلى فرعون قال لهما جـلّ وعـلا: (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً). [طه: 44].ولم تخلُ الجهود الدعوية الموجهة إلى النصارى في فترة الحروب الصليبية من استخدام هذا الأسلوب، وإن كان ذلك بشكل أقل من الأساليب الأخرى ومثال على ذلك؛ رسالة العزاء من صلاح الدين إلى بولدوين الخامس بعد وفاة والده في بيت المقدس، وفي مطلع الرسالة: .. خص الله الملك المعظم حافظ بيت المقدس بالجد الصاعد، والسعد الساعد، والحظ الزائد، والتوفيق الوارد (576). وكان أيضاً يتخلل بعض ردود العلماء، ومناقشاتهم مع النصارى في هذه الفترة شيء من اللين والرفق والتلطف في الخطاب، ومن ذلك مثلاً : الدعاء لهم بالهداية، كقول الخزرجي في نقاشه مع قسيس طليطلة: .. ونحن نسأل الله سبحانه أن يكشف ما بكم من بشع الضلالة ويتلقاكم بالهداية، فهو فعّال لما يريد (577)، وقول القرطبي في رده على كتاب تثليث الوحدانية: .. فالله يعلم أني أنظر إليك وإلى كافة خلق الله بعين الرحمة، وأسـأله هـداية من ضّل من هذه الأمة، وأتأسف على الأباطيل التي ينتحلون، فإنا لله وإنا إليه راجعون (578)، وفي موضع آخر وبلين عبارة خاطب القرطبي صاحب كتاب التثليث حاضاً له على اعتقاده بنوّة المسيح عليه السلام بقوله: .. فما أجل بكم ألو قلتم فيها الحق الذي ينبغي لهما: إن الله جعل عيسى وأمه آية للناس، هو عبداً ورسولاً وأمه صدّيقه مباركة (579).س- أسلوب القسم: وقد ورد استعمال هذا الأسلوب كثيراً في القرآن الكريم، فأقسم الله سبحانه وتعالى بنفسه وآياته وببعض مخلوقاته، والقسم في كلام الله يزيل الشكوك ويحبط الشبهات، ويقيم الحجة، ويؤكد الأخبار، ويقرر الحكم في أكمل صورة (580).وما أكثر الأحاديث التي كان يبدؤها النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده (581)، وقد استُخدم هذا الأسلوب في فترة الحروب الصليبية، ومن ذلك قول الخزرجي في نقاشه مع قسيس طليطلة بعد حديثه عن تحريف الإنجيل: .. حتى إني أحلف بالذي لا إله إلاّ هو أن تاريخ الطبري عندنا أصح نقلاً مـن الإنجيـل، ويعتمد عليه العاقل أكثر، مع أن التاريخ عندنا لا يجوز أن ينبني عليه شيء من أمر الدين (582) وبعد حض القرطبي صاحب كتاب تثليث الوحدانية على نبذ ما يعتقده في عيسى -عليه السلام- أقسم بالله على سوء عاقبته إن مات على هذه النهاية وذلك بقوله: .. فكأني والله بك إن متّ على ما أنت عليه يُؤخذ بناصيتك وقدمك، وتحيط بك ملائكة ربك، ملائكة (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). [التحريم: 6].3- الأساليب الفنية: هي تلك الأساليب المتعلقة بجمال التعبير وتحسينه من الناحية اللفظية ليكون أكثر تأثيراً في السامع (583)وفي عصر الحروب الصليبية كان كتاب الله عز وجل هدفاً لمطاعن النصارى وشبههم، والتي كان من ضمنها الطعن في بلاغته وفصاحته، لذلك اعتنى العلماء المسلمون عناية كبيرة في التصدي لذلك في جهودهم الدعوية الموجهة إلى النصارى (584)، وقد تمثل ذلك من خلال إبرازهم لفصاحة القرآن وبلاغته وعجز العرب عن معارضته، أو من خلال استعمالهم لبعض الأساليب الفنية التي تظهر جوانب من فصاحة العربية وبلاغتها وجمالها وقوة تأثيرها، مع عدم التوسع فيها كثيراً بجانب الأساليب الأخرى؛ لنظرتهم إلى أن غالبية النصارى -وهم من العجم- أقل وأحقر من أن يتحدث عن بلاغة القرآن وفصاحته بعدما عجز عنها العرب الأوائل، وهم أرباب البيان والفصاحة، ولذلك قال الخزرجي حينما بين إقرار العرب الأوائل بفصاحة القرآن وبلاغته: فكيف يُلتفت إلى مقال العجم الجهلاء؟(585)، وفي مقدمة رسالته في الرد على قسيس طليطلة قال: أيها الأعجمي الألكن الطاعن في كتاب الله جهلاً(586). وذلك إشارة إلى قصوره لعجميته عن فهم بلاغة القرآن وفصاحته (587)، ومن الأساليب الفنية التي استُخدمت: أ- أسلوب ضرب الأمثال: وضرب الأمثال من الأساليب التي استخدمها العلماء المسلمون في مناقشاتهم وكتاباتهم ومناظراتهم مع النصارى في عصر الحروب الصليبية، فمن الأمثال السائرة التي استخدمها القرطبي في رده على القسيس قوله: لا يستوي الظل والعود أعوج (588)، وذلك بعدما عرض مذاهب النصارى واختلافهم في تفسير الأقانيم، ومحاولة كل فرقة إصلاح خلل الأخرى في ذلك، وقصد القرطبي في هذا المثال أنه مهما حاولوا تقويم الخلل في تفسيراتهم لهذه العقيدة الباطلة فلن تستقيم، كحال الذين يريد إقامة ظل لعود أعوج، فلن يستقيم الظل ما دام العود على اعوجاجه، وهذه حال تفسيراتهم لن تستقيم وتصحح الخلل ما دام أصل العقيدة باطلاً، وفي موضع آخر، وبعد رده على النصراني ومناقشته لما طرحه من تفسير لعقيدة الاتحاد وإبطال هذه التفسيرات التي جاء بها، ختم ذلك بإيراد هذا المثل وهو قوله: فإن الفتق اتسع على الراقع (589)، ففي هذا المثل قصد القرطبي أنه مهما جئت أيها النصراني بتفسير لهذه العقيدة الباطلة – عقيدة الاتحاد تفسير يقبله العقل فلن تفلح، فكلما أجبت على سؤال ثارت عليك أسئلة، كمن يريد أن يرقع ثوباً اتسع فتقه، ومن استخدام الأمثلة السائرة لدى القرافي أنه بعد وصفه لرجال الدين النصارى بالجهل الشديد، وعدم تفريقهم بين الحلال والحرام، وغفلتهم وبلاهتهم التي حجبت عنهم عقل الحق، والأخذ به، ختم بقوله: حتى إن أحدهم لا يفرق بين كوعه من بوعه (590).ب- أسلوب القصة: وفي عصر الحروب الصليبية استخدم كثير من العلماء أسلوب القصة في جهودهم الدعوية الموجهة إلى النصارى لكونها من أنسب الأساليب مع النصارى؛ لكشف باطلهم وبيان ما في كتبهم من تحريف وتبديل، وإظهار مواقفهم من أنبيائهم، ومن هذه القصص ما قام به الخزرجي في رده على قسيس طليطلة في قوله: إنه لا ينكر صلبه – أي عيسى- إلاّ كافر (591)، عرض قصة الصلب كاملة حسب رواية النصارى، مستنبطاً منها الأدلة على وقوع الصلب على الشبه، وليس على عيسى كما يدعيه النصارى (592)وعرض القرطبي قصة قسطنطين ومجمعه الذي ابتدعت فيه كثير من شرائع النصارى الباطلة، ومنها الصلب، وذلك دليلاً على عدم اعتمادهم على شيء في هذه العقائد، وأنها من وضع ضُلاّلهم، وليس من أصل ديانتهم الصحيحة (593)، وحينما عرّض القسيس للقرطبي في هاجر أم إسماعيل -عليه السلام- وفي معرض الرد عليه ساق القرطبي قصة هاجر مع سارة من التوراة كاملة لبيان افتراء هذا القسيس (594) وفي معرض إثبات القرطبي لنبوَّة عيسى -عليه السلام- سرد قصة بولس اليهودي، وأثره في تحريف النصرانية، والقول بألوهية المسيح، ثم أثر قسطنطين بعد ذلك (595)، ثم عقّب بقوله: ... ولتعلم أن هذه الأخبار التي ذكرناها لا يمكنهم إنكار جملتها، وإن أنكروا بعض تفاصيلها؛ لكون هذه القصص معروفة على الجملة عندهم، فإنهم لا يقدرون على جحد محاربة بولس اليهودي وإجلائهم من الشام ودخول بولس في دينهم، وكذلك الملك قسطنطين مما لا ينكرون إشهاره لكتبهم (596)، وساق القرافي أيضاً قصتي بولس وقسطنطين في معرض بيان أثرهما في تحريف النصرانية وإضلال النصارى (597). ثم عقّب على ذلك بقوله: وكفى بهذه الثلمة في دين النصارى خللاً عظيماً، لم تترك لهم عقلاً مستقيماً، ولا قلباً سليماً(598). ونوع آخر من القصص ورد الاستشهاد به كثيراً في مناقشات العلماء المسلمين، وردودهم على النصارى في هذه الفترة، وهي القصص التي تتعلق بالتاريخ الإسلامي وحياة النبي ومناقبه، ومن ذلك مثلاً قصة كفالة جده ثم عمه، ورضاعه من حليمة، والبركة التي هلّت عليها بسبب ذلك، وقصة رحلته إلى الشام ولقائه (599) ببحيرا الراهب وشهادته له بالنبوة، ثم سرد القرطبي الكثير من القصص أيضاً حول معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك في سياق الحديث عن دلائل نبوّته، ومن ذلك مثلاً: قصة نبع الماء من بين أصابعه في إحد غزواته، وتكثير الطعام في غزوة الخندق وغيرهما، وقصص أخرى كثيرة أبرز فيها القرطبي حماية الله -سبحانه وتعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- كرد المشركين عنه ليلة الهجرة وخبر سراقه وغير ذلك، وهكذا إيراد القصة في الجهود الدعوية الموجهة إلى النصارى، بالإضافة إلى كونه يزيد من جمال التعبير، ويضفي عليه شيئاً من التشويق، فإن له أثره في التمهيد لقبول المحتوى لدى السامع وإيصال المعنى المراد له من خلال استغلال ذلك (600).ج- أسلوب التكرار: ومن الأساليب الفنية أسلوب التكرار، والذي قد يكون تكراراً لكلمة بعينها، أو لمعنى، أو لعبارة أو لفكرة، أو لموضوع ويكون التكرار عيباً لموضوع إذا كان عارياً عن الفائدة، ولا يكون له معنى بلاغي، إلاّ إذا كان الهدف معيناً كأن يكون القصد منه التأكيد، أو المبالغة أو الإيضاح، أو بيان الأهمية، أو إبراز المعنى الواحد في صور مختلفة إلى غير ذلك (601). والتكرار من الأساليب التي استخدمها العلماء المسلمون في كتاباتهم ومناقشاتهم مع النصارى في فترة الحروب الصليبية، فمن ذلك مثلاً: تكرار نصر بن يحيى المتطبب الإشارة إلى تحريف الأناجيل؛ حيث فصّل في الموضع الأول، وذلك في سياق ذكره لواضعي الأناجيل الأربعة، حيث ذكر شواهد على الاختلافات فيما بينها، ثم اختصر ذلك في موضع آخر، وذلك في سياق ذكره لتاريخ كتابة الأناجيل والتي كانت كثيرة جداً، فاختُصرت إلى أربعة منها في المجمع الذي دعا إليه الملك الروماني قسطنطين، حيث تساءل نصر بن يحيى: ما حال عشرات الأناجيل المستبعدة؟ وعلى أي أساس تمّ انتقاء هذه الأربعة فقط؟ (602) حيث يظهر الوجه البلاغي للتكرار في الموضعين إلى اختلاف الهدف من إيرادها، ففي الموضع الأول إبراز التناقض بين الأناجيل الأربعة المعتمدة لدى النصارى، وفي الموضع الثاني الطعن في أصل الأناجيل بشكل عام، وطريقة اعتمادها لدى النصارى، وعلى أي أساس كان اختيارها؟ ولم يكن في غيرها من عشرات، الأناجيل الأخرى المستبعدة ما هو أفضل منها (603)، وكذلك كرر الخزرجي الإشارة إلى حفظ القرآن وعدم تحريفه، فمن ذلك مثلاً ذكْره لذلك مجملاً في سياق المقارنة مع تحريف كتب النصارى (604) ثم تفصيل ذلك في سياق الحديث عن إعجاز القرآن، وكونه من أدلة صدق رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- والإسهاب في عرض وجوه إعجازه وصبطه (605).د- أسلوب الاستفهام: والاستفهام هو الطلب بشيء لم يكن معلوماً من قبل، بأدوات خاصة، وهو من أنواع الإنشاء الطلبي (606) وقد تخرج ألفاظ الاستفهام عن معناها الأصلي إلى معانٍ تُفهم من السياق كالنفي والنهي والتقرير والأمر، والإنكار والتشويق والتعجب والوعيد إلى غير ذلك (607)، وهذه المعاني تضفي على التعبير جمالاً وتزيد من تأثيره في السامع؛ ففي مناقشة نصر بن يحيى المتطبب لعقيدة الاتحاد بين اللاهوت والناسوت التي يدعيها النصارى في المسيح، وأن الناسوت حين الصلب مات واللاهوت لم يمت تساءل نصر بن يحيى على سبيل الأنكار قائلاً: فكيف يكون ميتاً لم يمت في حال واحد (608)، فالمتطبب لم يلقِ هذا السؤال طالباً الإجابة عليه، وإنما للإنكار على النصارى الذين أدّى بهم اعتقاد الاتحاد إلى هذه النتيجة التي لا يقبلها العقل، فهذا السؤال يثبَّتُ فساد نتيجة هذا الاعتقاد عليهم، مما قد يؤدي بالعقلاء منهم إلى الإقرار بفساده والإقلاع عنه، وبعد بيانه لبعض تناقضات النصارى في تفسير الاتحاد وجّه هذا السؤال لهم على سبيل الإنكار لمجمل اعتقادهم في المسيح -عليه السلام- وذلك بقوله: فكيف يصح لذي عقل عبادة المولود من امرأة بشرية قد مات ونالته العلل والآفات؟ (609)، وهكذا في مواضع أخرى بعد مناقشة المتطبب لبعض عقائد النصارى يلقي عليهم أسئلة على سبيل الإنكار لباطلهم (610).هـ- أسلوب التعجب: وهو دهشة المتحدث واستغرابه في أمر ليس له تفسير في نفسه، أو أن تفسيره غير متوقع لديه (611) وبعد إيراد الجعفري لبعض تناقض الإنجيل قال: فانظر رحمك الله ما أفسد هذا الكلام وأقربه من كلام المجانين (612) وفي السياق نفسه وفي موضع آخر قال: فانظر – رحمك الله – ما أقبل عقول هؤلاء القوم إلى الترهات التي تمجّها الأسماع وتأباها الطباع (613)، وفي موضع آخر من السياق نفسه قال: ما أقبح هذا التكاذب، وأوضح هذا التناقض (614). وهكذا في مواضع كثيرة، وبعد تفنيد القرطبي لعقيدة الفداء لدى النصارى، وتهافت أدلتهم عليها ختم ذلك بقوله متعجباً من عقولهم الضعيفة التي قبلت مثل ذلك (615)... قاتلكم الله ما أسخف عقولكم!!(616).و- أسلوب استخدام الشعر في تأدية بعض المعاني: وفي عصر الحروب الصليبية لم تخلُ ردود العلماء ومناقشاتهم مع النصارى من استخدام الشعر، فمن الأمثلة على ذلك قصيدة البوصيري في الرد على النصارى واليهود والتي مطلعها: جاء المسيحُ من الإله رسولافأبى أقلُّ العالمين عقولاوقد ناقش فيها الكثير من عقائدهم، وانتقدها مبيناً بطلانها وعدم اعتمادهم على دليل فيها (617)، ومن هذا القبيل أرجوزه لأبي طالب عبد الجبار المرواني تعرض فيها لبطلان ما عليه النصارى ومنها: وصانعُ العالمِ فردٌ صمدْالصنعُ لم يشركْهُ فيه أحدْإلى قال: وللنصارى القولُ في التثليثِأفظعْ به من مذهبٍ خبيثِ (618)ومن ذلك مثلاً ما أورده القرطبي في مقدمة ردّه على صاحب الكتاب وتناقضاته، وأنه بكتابته فضح نفسه، حيث استشهد على ذلك بهذا البيت: وإنّ لسانَ المرءِ ما لم تكنْ لهحصاةٌ على عوراتِهِ لدليلُ(619)فالقرطبي بهذا البيت عبّر باختصار بليغ كيف فضح هذا النصراني لسانه، ودل على جهله وركاكة أسلوبه، وفي موضع آخر حينما حاول هذا النصراني إظهار فصاحته بجمل ساقها ردّ عليه القرطبي بقول الشاعر: دعِِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتِهاواقعدْ فإنك أنت الطاعمُ العاريوذلك كناية عن قصوره وعجزه وعدم أهليّته لهذا الأمر، وحينما استدل النصراني ببعض الآيات القرآنية على بعض باطله مؤولاً معناها الصحيح، كان من إجابة القرطبي قول الشاعر: ألقِ السلاحَ فلسْتَ من أكفائناواقعدْ مكانك في الحضيضِ الأسفلِ (620)وذلك كناية على أن المسلمين هم أهل المعرفة بالقرآن وعلومه وتفسيره، وليس هذا لك أيها النصراني، ولا شك أن معنى هذا البيت أغنى القرطبي عن مقال طويل في بيان أحقية المسلمين، وقدرتهم على تفسير القرآن ومعرفة علومه، وعجز أمثال هذا النصراني عن ذلك (621).وفي موضع آخر وفي مناقشة تناقض أمانة النصارى وقولهم فيها:إن المسيح الذي صلب سيعود لفصل القضاء بين الأحياء والأموال رد الجعفري على ذلك بقول الشاعر:لا ألفينّك بعد الموت تندبنيوفي حياتي ما زوّدتني زادني (622)وقصد الجعفري بهذا البيت بيان عجز المسيح عن خلاص نفسه من القتل والصلب بزعم النصارى، فكيف يقدر على خلاصهم بجملتهم، وهذا المعنى لا شك يستغرق صفحات لو أراد الجعفري التفصيل في شرحه، وهكذا في مواضع كثيرة استغنى الجعفري بأبيات شعرية تؤدي المعنى الذي يقصده دون إسهاب في تفصيل ذلك المعنى نثراً (623)، وكان القرافي في كتابه "الأجوبة الفاخرة" يستشهد أيضاً ببعض الأبيـات الشـعرية اختصاراً بها عن تفصيل ما يريد بيانه نثراً قد يستغرق صفحات منه في بعض النقاط (624).
نقلا عن موقع الإسلام اليوم

الاثنين، 18 مايو 2009

مصطلح ابن الله في كتب اليهود و النصارى

مصطلح ابن الله في كتب اليهود و النصارى
إن الأحقاد الطائفية والحروب الدينية بين أبناء الشعب الواحد غريبة على أرض الإسلام ، فقد ألف هذا الدين منذ بدأ يعاشر غيره على المياسرة واللطف ، وان يرعى حسن الجوار فيما يشرع من قوانين ويضع من تقالي ، وهو في ميدان الحياة العامة حريص على احترام شخصية المخالفين له ، ومن ثم لم يفرض عليهم حكمه في الحلال والحرام ، أو يقهرهم على الخضوع لعقائده ، أو اضطهادهم ، أو مصادرة حقوقهم ، أو المساس الجائر لأموالهم و أغراضهم و دمائهم .
و تاريخ الإسلام في هذا المجال أنصع تاريخ على وجه الأرض ، وليت التواريخ الأخرى فيما حفظته الدنيا لها من حروب التعصب وغارات الإبادة والتجتي ، تقترب من ليونة الإسلام ومودته وسماحته .
محاولات مشينة للهجوم على عقيدة التوحيد:
ورغم مسلك هذا الدين المثالي فيما ضربة من تسامح واعتدال درجت بعض جماعات من أهل الكتاب من النصارى في داخل بلادنا الإسلامية وخارجها على إرسال خطابات إلى العديد من شباب المسلمين ، تهاجم فيها عقيدته الصافية النقية في التوحيد ، ثم تدعوهم إلى اعتناق فكرهم المتمثل في أن الله ابناً أرسله ليخلّص به البشر ، ويستندون في زعمهم هذا إلى نصوص من أناجيلهم ، مثل ::
1ـ ما ورد في إنجيل متى بالإصحاح 21 عدد 37 في قوله ( فأخيراً أرسل اليهم ابنه قائلاً يهابون ابني ) .
ويعنون أن الله أرسل ابنه المسيح إلى شعب اليهود.
2ـ وما ورد في انجيل مرقس : بالإصحاح الثالث عشر عدد 23 في قولة ( وما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ، ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن الأ الأب ) .
3ـ ماورد في انجيل لوقا : بالإصحاح الثاني والعشرين عدد 70 ، في قوله : ( فقال الجميع : أفأنت ابن الله ؟ فقال لهم : أنتم تقولون إني أنا هو ) .
4- ماورد في إنجيل يوحنا : بالإصحاح الثالث عدد 18 في قوله : ( لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم ، بل ليخلص به العالم ) .
… ومع التسليم بوجود النصوص السابقة ومات في أناجيل النصارى المتداولة بينهم ، نجد أن هناك نصوصاً أخرى بتلك الأناجيل يصف فيها المسيح نفسه ، بأنه بشر ، أبن انسان كا لآتي :
1- في انجيل متى بالإصحاح الثامن عدد 18 – 20 ورد قوله : ( فتقدم كاتب وقال له يا معلم أتبعك أينما تمضي ، فقال يسوع : للثعالب أوجرة ولطبور السماء أوكار ، وأما ابن الإنسان فليس أن يسند رأسه ) .
2- وفي انجيل مرقس : بالإصحاح الثامن ، عدد 31 ، قوله عن المسيح ( وابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراُ ، ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ) .
3- وفي انجيل لوقا : بالإصحاح التاسع ، عدد 56 قوله عن المسيح : ( لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص ) .
4- وفي انجيل يوحنا : بالإصحاح الثامن ، عدد 40 ، من كلام المسيح لليهود : ( قال لهم يسوع : لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم ، ولكنكم تطلبون أن تقتلوني ، وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله) .
إذاً كيف يتفق القول بأن المسيح ابن الإنسان ، أي أنه من البشر ، وهناك نصوص أخرى ، تذكر أنه أبن الله؟! فمن استقراء النصوص بالبنوة نجد :
أن لفظ البنوة في الكتب المقدسة لدى أهل الكتاب ورد بها على قبيل المجاز ، فإذا كان مضافاً إلى الله أريد به الرجل البار ، وقد إطلق على المسيح وغيره من الأنبياء والاشخاص فمثلاُ : آدم عليه السلام دعته الإناجيل ابن الله : فقد جاء في إنجيل لوقا : في الإصحاح الثالث ، عدد 33-38 ، بشأن نسب المسيح أنه يتصل بشيت ابن آدم الله .
جاء في سفر الأيام الأول : بالإصحاح السابع عشر ، عدد 11-14 ، قوله لداود : ( ويكون متى كملت أيامك . . أني أقيم بعدك نسلك . . أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً ) .
أطلقت الاسفار أبناء الله على الشرفاء أو الاقوياء : فقد ورد بسفر التكوين في الاصحاح السادس ، عدد 1،2 قوله : ( وحدث لما ابتدأ الناس يكقرون على الأرض ، وولد لهم بنات أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات ) .
أطلقت الاسفار ( ابن الله ) على كل شخص بار سواء كان نصرانياً أم غير نصراني : فقد ورد في إنجيل متى : بالإصحاح الخامس عدد 9 ، قول المسيح عليه السلام ( طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون ) .
و بالمقابلة : أطلقت أسفار أهل على الشخص الشرير أنه ابن إبليس : فقد ورد في إنجيل متى : بالإصحاح الثاني عشر ، عدد 34 ، قول المسيح لليهود : ( يا أولاد الإفاعي ، كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار ) .
ولفظ الأفاعي في اصطلاح الأسفار الكتابية تمثل للشياطين … ولندلل على ما ذكر ناه سابقاً بالآتي :
أولاً : يقرر الدكتور محمد فؤاد الهاشمي ( وقد كان من رجال الكهنوت النصارى في مصر قبيل إسلامه ) .
أن عبارة ( ابن الله ) الواردة بالأسفار المقدسة لدى أهل الكتاب لا تعني ولد الله ، فبنو الإنسان جميعاً هم أبناء الله ، بمعنى أنهم خلقه ، وأبوّته لهم لا تعني تلك الأبوّة الجسدية التي تثبتها شهادة الميلاد ، بل هي ربوبية الخلق والتربية ، وهذا هو القصد من التعبير يلفظ ( الأب ) الوارد بتلك الإسفار فهي تعني ولألــــه المربي ، وكان هذا اصطلاحاً سائداً عند اليونانيين الذين ترجمت عن لغتهم تلك الأناجيل ، ولهذا فإن المسيح ملأ الأناجيل بأنه ابن الإنسان ، وأسند أُبـــوة الله لغيره في كثير من النصوص ، مما يقطع بأن المراد بها ألوهية الله وربو بيته لعبادة ، كما وصف الصالحين بأنهم أبناء الله يمعنى أنهم أحبؤة وأصفياؤه .
( كتاب حوار بين مسيحي ومسلم تأليف الدكتور محمد فؤاد الهاشمي ) .
ثانياً : ويزيد الأب عبد الأحد داود الآشوري العراقي هذا الأمر وضوحاُ إذ كان على دراية باللغات السامية كالعبرية والآرامية فيقرر أن صلاة اليهود الواردة في أسفار راود وهي (السماء) ، وقد وصفت التوراة الله بلفظ ( آب ) ( بمد الهمزة ) هو اسم الله باللغة السريانية أو الكلدانية ، وتعني موجد كافة الموجودات ومكوّن كل الكائنات ، فهو خالقها وفاطرها ، فهي لا تعني ان الله ابناً وحيداً كما تزعم الكنيسة ، وهي بخلاف كلمة ( أب ) بهمزة مفتوحة والتي تعني الوالد .
ثالثا : ذكر الإمام تقي الدين ابن تيمية أن لفظ الابن في أسفار أهل الكتاب هو اسم لمن رباه الله ، أو اصطفاه وكرمه من عبيدة كإسرائيل وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء ، لأن لفظ الأب في لغتهم تعني الرب الذي يربي عبدة أعظم مما يربي الأب ابنه ، وفي هذا المعنى يقول المسيح لتلاميذه : ( أحبوا أعداءكم ، باركوا لا عنيكم ، أحسنوا الى مبغضيكم ، وصلّوا لأجل الذين يسئون إليكم ويطردونكم ، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات ) ( إنجيل متى : الاصحاح الخامس ، عدد 44 –45 ) .
ويرجع أيضاً إلى كتاب : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ، لشيخ الاسلام ابن تيمة الجزء الثاني فصل في معنى الابن .
رابعاً : ويقرر الشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي : أن لفظ ( ابن ) الوارد في أسفار أهل الكتاب يحمل على المعنى المجازي المناسب لشخص المسيح عليه السلام ، ويتضح هذا المعنى بجلاء من استقراء النص الوارد في إنجيل مرقس : بالإصحاح 15، عدد 39 ، في قوله ( ولما رأي قائد المائة الواقف مقابلة أنه صرخ هكذا وأسلم الروح ، قال : حقاً كان هذا الإنسان ابن الله ) .
و مقابلته بالنص المشتمل على هذا المعنى بإنجيل لوقا : بالإصحاح 23 ، عدد 27 في قوله : ( بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً ) .
ففي إنجيل مرقس لفظ ( ابن الله ) وفي انجيل لوقا بدله لفظ ( البار ) ، واستعمل مثل هذا اللفظ في حق الصالحين غير المسيح عليه السلام ، كما استعمل ابن إبليس في حق غير الصالحين .
(( من الذي قام بتحريف لفظ – ابن الله 0 عن مفهوم من رباه الله واصطفاه إلى مفهوم الألوهية وابن الذات المقدسة وكيف كان ذلك ؟ )) .
إن من يدعونه بولس والذي لم يرَ المسيح ولم يتتلمذ على يديه ، بل كان عدواً له ولإتباعه ، ثم تحايل بعد ذهاب المسيح عن هذا العالم حتى التصق بتلاميذه بعد أن اطمأنوا إليه ، هو الذي انحرف بلفظ ( ابن الله ) عن مفهومه الكتابي التوراتي ، وهو من ربّاه الله وأجبه واصطفاه وكرمه إلى مفهوم التقديس والألوهية ، ويشير إلى ذلك كثير من أقواله التي تشتمل عليها رسائله مثل :
1ـ قوله في رسالته أهل رومية : بالإصحاح الأول ، عدد 1-4 : ( بولس عبد يسوع المسيح المدعو رسولاً المُــفرَز لإنجيل الله الذي سبق فوعد به أنبيائه في الكتب المقدسة عن ابنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسد ، وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من بين الأموات يسوع المسيح ربنا ) .
2ـ وقوله في رسالته إلى أهل فيلبي : بالإصحاح الثاني ، عدد 5،6 : ( فليكن هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً الذي كا في صورة الله ، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ) .
3ـ وقوله في رسالته إلى العبرانيين بالإصحاح الاول عدد 1،2 : ( الله بعدما كلم الآباء والأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة ، كلمنا في هذه الأيام الأخيره في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء ) .
ويؤيد ما ذهبنا اليه من رأي الدكتور / شارل جينيبير أستاذ ورئيس قسم الأديان بجامعة باريس ، الذي يكشف لنا الكثير مما قام به القديس بولس من تحريف ، فلقد درس ذلك العلاّمة اللغة العبرية واللغة اللاتينية والديانة اليهودية ، كما درس بعمق الجو الديني العبري ، أي المجتمع العبري ، أو بمعنى آخر المجتمع اليهودي الذي نشأ فيه المسيح عليه السلام وقضى فيه حياته القصيرة ، وكل ذلك من الوجهة التاريخية ، أي بحسب الواقع التاريخي ، غير متأثر في ذلك بالجانب العقائدي ، وانتهى في دراساته إلى الحقائق الآتية :
أولاً : إن عقيدة النصرانية التي دعا إليها السيد المسيح كانت في غاية البساطة ، إذ كان يعلن التوحيد ويؤكد أنه عبد الله ورسوله ، وكان كل همه أن يدعو إلى الخُلق الكريم ، إلى الرحمة والمحبة والتعاطف .
ثانياً : إن المسيح ما بعث الاَّ لخراف بني إسرائيل الضالة ، أي أن رسالته كانت خاصة ببني إسرائيل .
ثالثاً : إن المسيح لم يقل عن نفسه انه ( ابن الله ) فذلك تعبير لم يكن في الواقع ليمثل بالنسبة إلى اليهود سوى خطأ لغوي فاحش ، وضرب من ضروب السفه في الدين ، كما لا يسمح أي نص من نصوص الأناجيل إطلاق تعبير ابن الله على المسيح ، فتلك لغة لم يبدأ في استخدامها سوى النصارى الذين تأثروا بالثقافة اليونانية ، وهي اللغة التي استخدمها القديس بولس ، كما استخدمها مؤلف الإنجيل الرابع ، وهو إنجيل يوحنا .
رابعاً : إن القديس بولس هو المسؤول عن انفصال المسيحية عن دعوة السيد المسيح ، إذ تسبب بخطئه في ترجمة لفظ عبد في كلمة ( عبد الله ) التي يقولها المسيح كثيراً عن نفسه إلى كلمة ( طفل ) بدلاً من ترجمتها إلى كلمة ( خادم ) فصارت ( طفل الله ) ، وكان لذلك تغيير هائل بالفكرة الدينية عن صورة الإله في الفلسفة عامة وفي عقيدة النصرانية خاصة ، والتي غلب على تسميتها بالمسيحية في زماننا المعاصر ، بمعنى أنه انحرف بعقيدة التوحيد الخالص إلى فكرة بنوة الطفل لله أي بنوة المسيح الله .
خامساً : وطبيعي أن الاثني عشر تلميذاً الذين آمنوا بالمسيح وتابعوه لم يكن ليوافقوا على نعت المسيح أنه ابن الله بل كان تعبيرهم عنه أنه خادم الله ، لأن صورة الألوهية التي تتسم اتساماً بالكمال أنه لا يلد كما أنه لا يولد ، أي أنه ليس بحاجة – لكماله – إلى ولد ، إذ إن أرادة الولد إنما هي نقص في الإله .
… أما بالنسبة للابن فإنه على أي وضع تصورته ، يكون إمّــا مولوداً وإمّــا مخلوقاً ، فهو لا مناص قد سبقه عدم وأنه وجد بعد عدم ، إذاً فلا يكون إلـــهـــاَ لأنه حادث .
ولذلك فإن المسيحية الحاضرة بكل ما فيها من عقائد وطقوس وشعائر غريبة بعيدة كل البعد عن رسالة المسيح .
( انتهى كلام الدكتور شارل جينيبير ) .
يرجع في هذا إلى كتاب المسيحية نشأتها وتطورها تأليف دكتور شار جينيبير ، رئيس قسم تاريخ الأديان بجامعة باريس ، وقد ترجمة بالعربية الدكتور / عبد الحليم محمود ، نشر دار المعارف بالقاهرة .
الإسلام يصحح الصورة الدينية للإله :
رسم الإسلام مفهوم الألوهية بالصورة الصادقة التي أنزلها الله تعالى على رسولة محمد صلى الله عليه وسلم بعيداً كل البعد عن ألفاظ الأبــوّة والابن التي التبس أمر الحق فيها على أهل الكتاب .
قال الله تعالى : ( فاعلم أنه لا أله ألا الله ) .سورة محمد .
وقال جل شأنه ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ). سورة الإخلاص .
أما عن المسيح عليه السلام ، فقد تحدث عنه القرآن باسم الواقع التاريخي الصادق ، كما تحدث عنه باسم المنطق .
فباسم الواقع التاريخي : قول الله تعالى ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ، فإن تولوا اشهدوا بأنّا مسلمون ).سورة آل عمران .
وقوله عز شأنه ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون ) . سورة الأنبياء .
وقوله ( وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عبادً مكرمون ) سورة الأنبياء .
وقوله ( وقالوا اتخذ الرحمن ولداً ، لقد جئتم شيئاً إدّا ، تكاد السموات يتفطّرن منه وتنشقُ الأرضُ وتخرُّ الجبال هدّاً ، أن دعوا للرحمن ولداً ، وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً ، إن كل من في السموات والأرض إلاّ آتي الرحمن عبداً ) سورة مريم .
أما من وجهة النظر المنطقية : يقول الله تعالى
( قالوا أتخذ الله ولداً سبحانه هو الغنيُّ له ما في السموات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا ، أتقولون على الله مالا تعلمون ، قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ، متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ) سورة يونس .
ويقول جل جلاله : ( ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) . سورة مريم .
… فالله سبحانه غنيّ غنىَ مطلقاً عن الولد ، لأن من يسعى وراء الولد أو يتبناه هو الفقير وهو المحتاج في العواطف وفي الأعمال وفي التصريف ، ولكن الله تعالى يتنزه عن ذلك فهو إذا أراد أمراً ، كان ما أراد ولا يعدو المسيح أن يكون عبد الله تعالى ، كرمه الله بالرسالة التي كلفه بتبليغها إلى قومه من بني إسرائيل ، شأنه شأن باقي المرسلين من قبله إلى أقوامهم ، وهكذا صحح الإسلام صورة الإله التي كادت المسيحية أن تطمس حقيقتها ، والتي ما زالت تحاول جاهدة في طمسها ، قال تعالى :
( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا قومٍ قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ) . سورة المائدة .

فكرة الخلاص فى التراث الاسلامى.. وسفر أشعياء !!

فكرة الخلاص فى التراث الاسلامى
عاشت البشرية دائما فكرة (المخلّص) الذي يأتي على جناح الصبح، فيحقق آمالها و أحلامها، و ينتشلها من بين أنواء الشقاء الى شاطئ اخضر مشرق تطلع عليه شمس السعادة و الطمأنينة و الرخاء.
و لقد عبّرت الانسانية عن هذا الحلم الموعود و الأمل المنشود في تراثها و نتاجها الأدبي و الثقافي، بل و زخرت به اساطيرها القديمة.
و الواقع أن المتتبع لفكرة الخلاص و المخلّص في التراث الانساني سيجدلها جذورا ضاربة في التاريخ حتى عند الشعوب و الأمم الوثنية، مما بوسعه اضاءة هذا البعد المهم في العقل البشري وا لحضارة الانسانية.
و لأنّ آداب الشعوب تعبّر عن آمالها و تطلعاتها فقد تفتق الكثير من النتاج الأدبي عن هذا الحلم العظيم الذي كان و ما زال يراود البشرية و تعلق عليه آمالها في المستقبل المضيء الزاهر.
فقبل الميلاد، حاول الفيلسوف اليوناني المعروف افلاطون (427ـ347 ق.م) أن يرسم ملامح هذا الحلم الوردي في مؤلفه الشهير (الجمهورية).
و بعد الميلاد، تحدث الطبيب و المنجم الفرنسي اليهودي نوستراداموس صراحة في مؤلفه البارز (المئويات) عن (المخلص) الذي أفاد منه الغرب كثيرا في صراعاته السياسية و العسكرية، و مع أن (نوستراداموس هذا، 1503 ـ 1566) كان يهوديا، إلا أنه وظف التراث الاسلامي جنبا إلى جنب التراث اليهودي في التعبير عن هذا الحلم الذهبي في مستقبل البشرية.
بل إن الكاتب و المسرحي الفرنسي (صمويل بيكيت) عبّر في مسرحيته المعروفة (في انتظار غودو) عن هذا الأهل المنتظر الذي يعول عليه الانسان في خلاصه من البؤس و الشقاء و الصراع و الوصول به إلى فجر الأمل الساطع.
و إذا كان هذا هو شأنَ الأدب و التراث غير الاسلامي ـ هو ما لم نذكر سوى نتف منه ـ فان حظ الأدب الاسلامي لو فير في هذا المضمار ـ و لاسيما ما استفاد منه من التراث ـ ابتداءًا من (المدينة الفاضلة) ـ التي يمكن أن تعدّ اثرا أدبيا ـ إلى ما أُبدع حول (المهدي المنتظر) من قصص و روايات و اشعار من اليسير العودة إليها في مظانّها الكثيرة.

المخلّص فى الكتب المقدسة
و امّا التاريخ العقائدي للبشرية، فقد حفل بالكثير حول فكرة (المخلّص) منذ الرحلة الأولى لجبرائيل عليه السلام بين السماء و الأرض قائما بمهمة الوحي.
و قد تكفلت الكتب السماوية ـ حتى ما طاله التحريف منها ـ ببيان هذا الأمر. و الناظر في (الكتاب المقدس) بعهديه القديم و الجديد، أي (التوراة، و الانجيل) وكذلك في (الأوستا)، و على رأس الجميع (القرآن الكريم) الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، سيقف على الكثير من الكلمات، و الفقرات، و الجمل، و الآيات، التي تحلق بالانسان من أرض الحاضر المظلم بالجور و الظلم إلى آفاق المستقبل المنير بمشعل القسط و العدل. و لأن موضوعنا يحمل عنوان (المخلّص في سفر إشَعْيَاء) فسوف نُقصر البحث على هذا الجانب في (التوراة) التي تحمل نصوصها الكثير بهذا الصدد، و لاسيما في قسميها (الأنبياء و الكتب) أو (نبيئيم ـ و ـ كتوبيم) و بالأحدى (نقـ.ـيئيم ـ و ـ كتوقـ.ـيم) الذين يعبران عن نبوءات و رؤى و يمثلان الشطر الأكبر من (العهد القديم). و أبرز ما في هذين القسمين من التوراة (سفر إشَعْياء) الذي يبدو مكرّسا في مجمله لرسم مشاهد المستقبل انطلاقا من مظاهر الماضي و الحاضر التي خيبت آمال الانسان.

خصوصيات سفر إشَعياء
يتكون (سفر إشَعْياء) ـ و الذي ينطقه البعض (اشعيا) ـ من (ستة و ستين إصحاحا) و يتوسط سفري (نشيد الأنشاد) و (إرميا). و قد وُظفت نصوصه باجمعها لتبيان (رؤيا) رآها (إشعياء بن آموص) الذي يُقدّر بأنه عاش في القرن الثامن قبل الميلاد، و يُعرف بأنه احد كبار أنبياء مملكة إسرائيل الأربعة، و له نشاط جهادي ملموس، و يقال بانه مات شهيدا، و قد تنبأ في رؤياه عن ميلاد السيد المسيح (ع) من السيدة العذراء.
و يتميز هذا السفر بمميزات كثيرة تهم الباحث الاسلامي، و لا سيما فيما يتعلق بفكرة الظهور و الخلاص، فضلا عن أنه كان مثار جدل كبير بين محللي و مفسري التوراة.

سفر إشعياء و النصوص الاسلامية
و لعل أبرز ما في نصوص سفر (إشعياء) أنه يصور مشاهد الخلاص بنفس الألفاظ و التعبيرات و المضامين التي يستخدمها التراث الاسلامي و لا سيما على نطاق الرواية و الحديث. فهو يتحدث عن مقدمات الظهور، و علامات الظهور، و عن حياة العالم فيما بعد الظهور و يوم الخلاص. و كل ذلك بما لا يكاد يخرج عن سياق السنة النبوية الشريفة و التراث الاسلامي فى مجمل الاتجاه العام حول فكرة «الخلاص». و كدليل على هذا الادعاء، فلا مناص من الاتيان ببعض الأمثلة حتى تتضح الفكرة.

نماذج و أدلة
تقول التوراة: «فيقضي بين الأمم، و يُنصف لشعوب كثيرين» إشعياء 2/4
و يقول الرسول (ص): «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم، و بعث رجلا من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما مُلئت ظلما و جورا»
فالقاسم المشترك في هذين النصين هو أن «المخلّص» سيحقق الانصاف و العدالة للبشرية.
* * *
و تقول التوراة: «يقضي بالعدل للمساكين، و يحكم بالانصاف لبائسي الأرض» إشعياء 11/4
و يقول الرسول (ص): «يملأها عدلا، كما مُلئت ظلما و جورا»
فمهمة «المخلّص» هي إحقاق الحقوق و الحكم بالعدل و الإنصاف.
* * *
و تقول التوراة: «فاذا هم بالعجلة يأتون سريعا» إشعياء 5/26
و يقول الرسول (ص): «فأتوه و لو حبواً على الثلج»
ـــــــــــــــــــــ
(1)1 ـ بشارة الإسلام، ص 59 و سواها، إلزام الناصب، ص 251 ـ 252; ينابيع المودة، ج 3، ص 166، 109 و مصادر أخرى .
(2)2 ـ الاختصاص، ص 208 ; البحا ر، ج 51 ، ص 91 و ينابيع المودة، ج 3، ص 93 .
(3)3 ـ عيون أخبار الرضا، ج2 ، ص 60 و منتخب الأثر، ص 143.
فيه إشارة واضحة و دعوة صريحة إلى الاسراع في مناصرة «المخلّص».

* * *
و تقول التوراة: «في ذلك اليوم، يكون غصن الرب بهاءً و مجداً، و ثمر الأرض فخراً و زينةً» إشعياء 4/2
و يقول الرسول (ص): «يُسقط الله الغيث، و تُخرج الأرض نباتاتها، و تعظم الأمّة، و تنعم أمتي نعمة لم ينعموا بمثلها»
و وجه التشابه هنا هو الخصب و ازدهار الثمار و الرفول في النعمة العظيمة يوم ظهور المخلّص.

* * *
و تقول التوراة: «و أعيد قضاتك كما في الأول، و مشيريك كما في البداءة، بعد ذلك تُدعَيْن مدينةَ العدل القريةَ الآمنة» إشعياء 1/26
و يقول الرسول (ص): «و يسيطر العدل حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول»
و الدلالة المشتركة هنا هي إقرار العدالة، و عودة الانسانية إلى فطرتها السليمة بفضل ظهور المنجي و المخلّص.

* * *
و تقول التوراة: «صهيون تُفدى بالحق، و تائبوها بالبِرّ، و هلاك المذنبين و الخطاة يكون سواءً، و تاركوا الرب يفنون». إشعياء 1/27، 28
و يقول الرسول (ص): «يعمر خراب الدنيا، و يخرب عمارها»
في دلالة ظاهرة على عودة الموازين الصحيحة و القضاء على الموازين الخاطئة السائدة، و هلاك المذنبين و الخطاة و المشركين، و سيادة الحق و البر كمظهرين للفداء و التوبة. حيث سيقوم «المخلّص» بتخريب ما بناه الآثمون من بيوت مهتوكة و مواخير مرذولة، و يعمر بيوت العبادة و خراب القلوب، و يُفني المذنبين و الخطاة و آثارَهم القائمة.
و تقول التوراة: «صارت فضتكِ زغلا و خمرك مغشوشةً بماء»
«و ارديدي عليكِ، و أنقّي زغلك كأنه بالبورق، و أنزع كل قصد يرك، و أعيد قضاتك كما في الأول» إشعياء 1/22، 25، 26
و يقول اميرالمؤمنين الامام علىّ بن أبي طالب (ع): «لينزعنّ عنكم قضاة السوء، و ليعزلنّ عنكم أمراء الجور، و ليطهرنّ الأرض من كل غاشّ»

ـــــــــــــــــــــ
(1) البيان، ص 73 ; الملاحم و الفتن، ص 57 ; بشارة الاسلام، ص 280، 290 و سواها .
(2) الحاوى للفتاوى، ج 2، ص 153 و منتخب الأثر، ص 478 .
(3) البحار، ج 51، ص 75 ; الملاحم و الفتن، ص 56 ; الغيبة، ص 114 و غيرها بألفاظ مختلفة.
(4) إلزام الناصب ،ص 176 ; البحار، ج 52، ص 224 ـ 225 بألفاظ مختلفة.
و هنا يشترك النصان في أن «المخلّص» سيقضي على قضاة السوء و أمراء الجور، و يمحو ظاهرة الغش.

* * *
و تقول التوراة: «ويل للمبكرين صباحا يتبعون المسكر، للمتأخرين في العتمة تلهيهم الخمر» إشعياء 5/11
و يقول الرسول (ص): «يبطل في دولته الزنا و شربُ الخمر و الربا و يُقبل الناس على العبادات»
و المعنى هنا واحد ـ حتى في الألفاظ ـ من أن «المخلّص» سيقضي على ظواهر الزنا و السكر و اللهو و الربا فيعود الناس إلى دور العبادة.

* * *
و تقول التوراة: «و اجعل صبيانا رؤساء لهم، و اطفالاً تتسلط عليهم» إشعياء 3/4
و يقول الامام علىّ (ع): «و ذلك إذا أُمّرت الصبيان»
حيث أورد كلا النصين علامة من علامات ظهور «المخلّص» و هي إمارة الصبيان و رئاسة الأطفال.

* * *
و تقول التوراة: «ويل للشرير شرٌّ، لأن مجازاة يديه تعمل به... و نساءٌ يتسلطن عليه» إشعياء 3/11،12
و يقول الرسول (ص): «إذا كانت أمراؤكم شرارَكم، و أمورُكم إلى نسائكم»
و هنا يتفق النصان على علامتين من علامات مجىء «المخلّص» و هما: امراء الشر، و سلطة النساء.

* * *
و تقول التوراة: «فاذا نظر إلى الأرض، فهو ذا ظلام الضيق» إشعياء 5/30
و يقول الرسول (ص): «ينزل بأمتى في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يُسمع ببلاء اشدَّ منه، حتى تَضيق عليهم الأرض الرحبة»
و و جه التشابه هنا لايكاد يخفى لفظا و معنى، حيث تضيق الأرض بما رحبت من شدة البلاء و الظلم، فتنفرج الهموم و تنكشف البلايا و الغموم بظهور المخلّص الموعود.

مفهوم الخلاص فى الفكر اليهودى
فمن هو هذا «المخلّص» المراد في سفر إشعياء؟
هذا هو السؤال الأساسى في هذا البحث، و للجواب عنه لابد لنا أن نتوقف عند مفهوم الخلاص فى

ـــــــــــــــــــــ
(1) منتخب الأثر، ص 308 ; الملاحم و الفتن، ص 54 ; الحاوى للفتاوي، ج 2، ص 161 و غيرها بألفاظ أخرى .
(2) بشارة الإسلام، ص 41، 44، 76 و غيره من المصادر.
(3) نهج الفصاحة، ج 1، ص 45 .
(4) بشارة الإسلام، ص 28، 31 ; الحاوي للفتاوي، ج 2، ص 135 و المهدي، ص 221 .
(5) الروايات نقلا عن (يوم الخلاص) .

«العهد القديم» أي «التوراة» و عند بعض تفسيرات و آراء المختصين في هذا الحقل العلمي.
يتبلور مفهوم الخلاص عند بني إسرائيل فيما يعرف في التراث اليهودي بـ «يوم يهوه» أو «يوم الرب». و أهم ملامح يوم الرب عندهم تتلخص في انتشار نوع من السعادة و الرخاء على الأرض كلها التى يسودها السلام، و تزداد ثمارها، و ينعم الجميع بالسعادة، و ذلك على يد حاكم عادل من عند الرب يقيم العدل و القسط و يُنزل العقاب على الآثمين و المذنبين و القضاة الظالمين و الأمراء الجائرين، و يتضح ذلك في أسفار كثيرة، كسفر إرميا، و عاموس، و هوشع، و إشعياء، و زكريا، و حزقيال، و التكوين، و سواها.
و قد دفع هذا بعضَ المختصين للربط بين مجىء عصر الخلاص و بين يوم الرب كما حاولت مجموعة اخرى فهم الربط بين ما يعرف باسم «الاسكاتولوجى»(1) أي الآخرة، أو عصر النهاية، أو فلسفة الحشر و النشر، و بين بنوءات يوم الرب عند الأنبياء.
على أنَّ كل من «حاييم هيرشيج» و «أجلين» و «يوسف كلوزنر» يعتقدون بأن اصل فكرة يوم الرب تَعود إلى آباء بني إسرائيل القدامى، و ان ذلك يعتمد على وعد الرب لهم بأن يكونوا شعبه المختار. و أما «سلّين»(2) فيرى وجود علاقة قوية بين مفهوم الخلاص و يوم الرب، و لكنه يرى ايضا بأن تلك الأفكار تظهر عند بني اسرائيل منذ تجلِّي الرب لموسى (ع) و ظهوره له في جبل سيناء.
و لاجدال في أن مفهوم الخلاص في (سفر إشعياء) لايتعلق بالاسكاتولوجى، أي بالحشر و النشر و يوم القيامة، بل يتعلق بوضوح بيوم الخلاص و ظهور المخلّص في الحياة الدنيا و في آخر الزمان حيث يقيم العدل و يُنصف المظلومين و يملأ الأرض خيرا و بركة و سعادة و أمناً. هناك ظاهرة مشابهة في تفسير بعض الايات القرانية حول المهدي المنتظر(عج) . و من ذكر قوله تعالى: (إنّهم يرونه بعيداً * و نراه قريباً)(1) حيث يرى بعض المفسرين بأنها في يوم القيامة، بينما يعتقد البعض الآخر بأنها في يوم الخلاص و ظهوره الحجة المنتظر(عج).

من هو المخلص فى سفر إشعياء
و في محاولة للتعرف على «المخلّص» في سفر إشعياء، بعد الوقوف على مفهوم الخلاص في مجمل التوراة و الفكر اليهودى يجدر بنا النظر في صفات و ملامح و ظروف مجىء هذا «المخلّص» و الواقع أن «سفر إشعياء» يشير إلى ثلاثة «مخلّصين» ذكر اثنين منهم بالاسم تقريبا.
فأحد المخلّصين في «سفر إشعياء» هو السيد المسيح (ع) الذي يسميه «عمّا نوئيل»، حيث يقول: «و لكن يعطيكم السيد نفسُه آية، ها هي العذراء تحبل، و تلد إبناً، و تدعو إسمه عمّا نوئيل. زُبْداً و عسلا يأكل متى عرف ان يرفض الشرّ و يختارَ الخير» اشعياء7/15، 16
و أما «المخلّص» الثاني فهو «كوروش: 557 ـ 528 ق.م» حيث يقول السفر:
ـــــــــــــــــــــ
Eschatology. . 1
Sellin. ـ 2
Holsher. ـ 3
Ginseberg. . 4
التي تربط بين يوم الخلاص و بين «الاسكاتولوجى» و اعتباره مفهوما نشأ منذ عصر الآباء، و يتمسكون بأن مفهوم الخلاص لم يظهر إلا بعد سقوط مملكتي إسرائيل و يهودا، أي منذ عام 586 ق.م.
و لكن عدد آخر من الباحثين، و منهم «جرسمان، و ستارك، و جَارمياس، و أوستورلى، و جون برايت» يقفون معارضين للراي السابق، و يقولون بأن انبياء عصر القضاة كانوا على معرفة بالإسكاتولوجى، و أنهم قد أخذوا منه نقطة بداية لنبوءاتهم بعد تعديله، ثم قاموا بتطبيقه على المواقف و الأحداث المعاصرة.
و ترد كل هذه الآراء بالتفصيل في دوائر المعارف، المقرائية، والبريطانية، و اليهودية.

المفهوم الخلاص فى التوراة
و أما اسفار التوراة فقد تناول ـ ربانيو التلمود عددا من فقراتها، و فسروها على أنها دليل مؤكد على فكرة الخلاص.
و من ذلك ما جاء في (سفر التكوين، 49/10) حيث تقول هذه الفقرة: «لا يزول القضيب من يهودا، و يُنزعُ من بين رجليه، حتى يأتي الذي هو أهله، و هو يكون انتظار الأمم».
و قد ثار جدل ساخن حول نص هذه الفقرة و ترجمتها انطلاقا من كلمة «شيلوّه» أو «شيلو» التي يقرأها البعض «شيلوّح» على فرض التصحيف و تعني في الأولى «الذي له» و في الثانية «الرسول» كما يقرأها البعض الآخر «شلواه» و تعنى «المسالم، الوديع، الموثوق».
و يرى أحد علماء اليهود الذين اسلموا عام 918 هـ و اسمه عبدالسلام، و كذلك العلامة محمد رضا، أحد العلماء اليهود الايرانيين الذى اسلم و تشيّع عام 1237 هـ ، و ايضا العلامة محمد صادق فخر الاسلام أحد العلماء النصارى الايرانيين الذى اسلم و تشيع في بداية القرن الرابع عشر الهجري، يرون جميعا بأن هذا النص يحمل بشرى برسالة خاتم الأنبياء محمد (ص).
و إن كنا نعتقد نحن بانه نص في يوم الخلاص، و أنه بشرى ايضا بظهور المهدي المنتظر(عج) انطلاقا من ألفاظ و معاني النص من قبيل: زوال الحكم من يهوذا، و انتظار، و الأمم أو الشعوب، و الأمل، و هذا الفاظ و معان تتعلق بيوم الظهور و الخلاص في آخر الزمان، و إن كانت امتداداً للرسالة المحمدية.
و هناك ايضا فقرات مشابهة تصب في نفس السياق، أي مفهوم الخلاص و فكرته، و ردت في «سفر العدد»، و «مزامير داوود»، و «سفر هوشع» و سواها مما لا يتسع المجال لذكره و لكن السهم الأوفر يبقى لسفر إشعياء الذي نحن بصدد بحثه.
* * *

1 ـ المعارج: 70 / 6و7 .

«هكذا يقول الرب لمسيحه لكورُوشَ الذي أمسكتُ بيمينه لأدوس أمامه امما و احقاءَ ملوك أَحُلُ لأفتح أمامه المصراعين و الأبوابُ لاتُغلق» اشعياء، 45/1،2
و أما «المخلّص» الثالث، فيكتفي «سفر إشعياء» بذكر ملامحه و اوصافه و علامات ظهوره:
و منها: المجىء من عند الرب، و العدل، و القضاء على الزنا و الرشوة، و إسقاط أمراء الجور، و انتزاع السند و الركن من أورشليم.
و ابرز العلامات التي تسبق ظهوره: امتلاءُ الأرض بالظلم و الجور، و تسلط النساء و الصبيان، و تحول المرشدين إلى مضلين، و تفشى الكذب، و انتشار الجدب و القحط و الدمار و الخراب، و سوى ذلك من الاوصاف و العلامات التي على رأسها جميعا : خضوع كافة شعوب و أمم الأرض لحكمه بعد انتظاره و تعليق الأمل عليه، و انطلاقا من هذه العلامة و الصفة الأساس نستطيع الاستنتاج بأن «المخلّص الحقيقي و النهائي» في «سفر إشعياء» هو الإمام «المهدىّ المنتظر»(عج).

استنتاج و استدلال
و الذي يسانه هذا الاستنتاج هو أن السيد المسيح (ع) مع أنه كان إلهيا و كان من عند الرب، إلا انه لم يُخضع الشعوب و الأمم لحكمه. كما أن «كوروش» و إن كان قد خلص بني إسرائيل من سبي بابل، إلا انه لم يُخضع كافة شعوب و أمم الأرض لسلطانه، فضلا عن أنه لم يكن من عند الرب و لم يكن إلهيا، و هناك نظر في الرأي القائل بأن «كوروش» هو نفسه «ذو القرنين».
و اما الدليل الثاني فهو تلك الفقرات المهمة من «سفر إشعياء» و التي تقول:
«و يخرج قضيبٌ من جذع يَسَّى و ينبت غصن من اصوله. و يَحُلُ عليه روح الرب، روح الحكمة و الفهم، روح المشهورة و القوة، روح المعرفة و مخافةِ الرب. و لذّته تكون في مخافة الرب، فلا يقضى بحسب نظر عينيه، و لا يحكم بحسب سمع اذنيه بل يقضي بالعدل للمساكين، و يحكم بالأنصاف لبائسي الأرض، و يضرب الأرض بقضيب فمه، و يميت المنافق بنفخة شفتيه، و يكون البر مِنْطقةَ متنيه و الأمانة منطقةَ حَقْوَيْه.
فيسكنُ الذئبُ مع الخروف، و يربض النمر مع الجدي، و العجلُ و الشبلُ و المسمَّنُ معا، و صبىٌ صغير يسوقها. و البقرة و الدُّبَّة ترعيان، تربض أولادهما معا، و الأسد كالبقر ياكل تبنا. و يلعب الرضيع على سَرَب الصِّلّ، و يمد الفطيم يده على حُجر الأُفعوان. لا يسوءون و لا يُفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلىء من معرفة الرب كما تغطي المياهُ البحر. و يكونُ في ذلك اليوم انّ اصل يسَّىَ القائمَ رايةً للشعوب إياه تطلب الأمم، و يكونُ مَحِلُّه مَجْداً». إشعياء، 11/1 ـ 10
هذا النص يشبه رواية لأمير المؤمنين (ع) و هى التى يقول فيها: «يملك المهدي مشارق الأرض و مغاربها، و ترعى الشاة و الذئب في مكان واحد، و يلعب الصبيان بالحيّات و العقارب و لاتضرهم بشيىء، و يذهب الشر و
يبقى الخير».
* * *
أفليست كل هذه الصفات هي صفات «المهدي المنتظر»(عج) ؟ و هل يمكن ان تكون كل هذه الملامح سوى ملامح لعصر ظهوره؟ و هل هناك «قائم» سواه؟! و إذا قلنا بأن كلمة «يسَّى» الواردة في هذه الفقرات ليست إلا تحريفا لكلمة «يَس» ـ بناءً على ظاهرة التحريف في التوراة ـ فهل نكون قد تجاوزنا الحقيقة و الواقع؟ و هل يعدو «المهدي المنتظر» (ع) أن يكون جذعا من نسل «يس» و غصنا من أصوله؟!
و لعله من المناسب هنا ايضا أن نسوق هذا النص الشعرى للشاعر «سليمان بن جبيرول» اليهودي، الذي يستنهض فيه مجىء «المخلّص» و ظهورَ «ابنِ يسَّى» الذي لم يأت، و الذي يراه حقا.
يقول الشاعر في قصيدة له بعنوان «جيئولاه» أي «خلاص»:
مبشّر السلام لم يات لمقدساتي فلماذا لم يأت ابن يسَّى؟
حينئذ تشهد كافة الأمم بالمقدسات هآنذا حقا ارى ابن يسَّى
و هناك نصوص أخرى مشابهة لشعراء يهود ـ و لاسيما فى العصر الوسيط ـ من أمثال: يهوذا اللاوي، و أبراهام بن عزرا، و عمّا نوئيل بن شلوموه، و إن كانت قد فُسرت في اتجاهات أخرى ربما لا تكون مناسبة تماما لطبيعة و أصول النصوص التوراتية المستقيمة.
* * *
و أما الدليل الثالث الذي يمكن أن يعضد استنتاجنا فهو أن «المخلّص» الذي يتحدث عنه «سفر إشعياء» لم يظهر بعد، و لو كان قد ظهر، لما كانت حركة المخلّصين الأدعياء و ظاهرة المسحاء الكذابين.

المخلّص الدّجّال فى التاريخ اليهودى (بعد الاسلام)
فهناك وثائق تاريخية تشير إلى ظهور عدد كبير من أدعياء «المسيحانية» من بين صفوف اليهود، و لا سيما فى العصور الوسطى و ما بعدها. و قد تزامنت هذه الحركة مع بوادر الحملات الصليبية عام 1096 م، فقد ظهر من بين اليهود رجل أسمى نفسه «إيليّا» أو «إلياهو» النبىّ، و ادعى أنه جاء مبشرا بقدوم «المخلّص» و «المسيح» الموعود.
كما ظهر مسيح دجال يهودي آخر أثناء الحملة الصليبية الثانية، و كان ذلك في فلسطين عام 1121 م، و ادعى بأنه «المخلّص» المنتظر، و أنه سيحرر فلسطين.
و من أشهر من ادعوا «المسيحانية» في القرن الثاني عشر الميلادي، و بالتحديد عام 1147 م شخص
ـــــــــــــــــــــ
(1)1 ـ منتخب الأثر، ص 474 و سواه من المصادر

يهودي يُدعى «داوود بن سليمان»، و يعرف باسم «داوود الرائي»، و كان قد درس «التوراة» و «المدراش» و «المشنا» و «التلمود» على أبرز أساتذة عصره في بغداد، كما أتقن العلوم العربية و الاسلامية التي كانت سائدة في عصره، و أوغل في تعلم التنجيم و السحر، و غيرهما من المعارف السرية، و يقال بأنه كان من كردستان.
و قد بدأ «داوود الرائي» مهمته في ادعاء أنه المخلّص و المسيح المنتظر بدعوة يهود بغداد و المناطق المحيطة بها للذهاب إلى القدس و الاستيلاء عليها. و بعد أن اجتمع حوله العديد من الأتباع و الأنصار فانه كون جيشا من المتطوعين، ثم قرر أن يشن هجو ما حربيا على المسلمين بادئا بالاستيلاء على مدينة (آمد) التي وُلد فيها ـ و هي «ديار بكر» الحالية ـ لكن جيوش المسلمين فتكت به و أحبطت هجومه، فقُتل في المعركة.
كما يتحدث «موسى بن ميمون» في رسالته ليهود اليمن عن ظهور رجل في اليمن عام 1172 م ادعى أنه رسول المسيح المنتظر جاء ليمهد السبيل لقدومه و ظهوره القريب في اليمن.
و المثير في هذه الحادثة هو أن الدجال اليهودي ثم القبض عليه و تقديمه لحاكم اليمن في ذلك الوقت، فلما سأله الحاكم عن علامة و دليل مدّعاه، فانه أجاب قائلا: اقطع رأسي، و سأعود للحياة مرة أخرى، فقال الحاكم، و كان عربيا، لا توجد علامة أفضل من هذه، و أنه إذا صدق كلامه فسوف يقتنع هو و كل العالم بصدق دعوته، و أمر الملك فقطعوا رأسه! و هكذا راح المخلّص الدجال صخية كذبه...!
و من أشهر حركات المخلّصين الكذابين حركة اليهودي الدجال «أبراهام أبوالعافية» في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي. فقد ادعى مجىء الخلاص على يديه، و كتب كتابا أسماه «كتاب المعجزة»، و زعم أنه على دراية بأسرار الأبجدية العبرية و أنها قادته إلى آفاق الرؤيا، و قال: عندما وصلت إلى الأسماء و كُشفت لى أسرار واستار الغموض فيها تجلى لي رب العالمين، و أطلعني على سره، كما أطلعني على نهاية السبي و بداية الخلاص...!
لكن حركته لقيت معارضة كبيرة من قبل ربانيي التلمود، فأنكر «سليمان الدرعي» ادعاءاته، و لقبّه بالوغد، و دعا كافة اليهود إلى تكذيبه.
و هناك حركات أخرى مشابهة ظهرت في فرنسا عام 1087 م، و في قرطبة عام 1117 م، و في مدينة (فاس) بالمغرب عام 1127 م، اشهرها حركة «داوود الرأويني» الذي وُلد في خيبر عام 1490 م و هلك في إسبانيا عام 1525 م، و ادعى أنه سليل النبيّ محمد (ص)، و أطلق الوعود بمكان في الجنة لمن يتبعه من المسلمين، ثم ادعى أنه الوريث الشرعي لعرش مملكة خيبر اليهودية، ثم ذهب إلى البابا كليمنت السابع في روما و عرض عليه خدماته لمحاربة المسلمين و طرد الأتراك من فلسطين.
و لعل أشهر حركات «المخلّص الكذاب» على الاطلاق هي حركة «شبتاى تسيقـ.ـى» الذي ولد في أزمير عام 1626 م، و توفي في ألبانيا عام 1675 م، و هو من أسرة يهودية ألمانية، و قد أعلن في إحدى الولائم أمام جمهور هائل من الحاضرين عن زواجه من التوراة، مدعيا أن هذا الزواج يمثل الاتحاد العضوي بينه،
باعتباره المسيح المخلّص، و بين توراة بني إسرائيل. و اختار له ستة عشر رجلا من أتباعه ليكونوا نوابا له في عصر الخلاص. و بعد أن صار له جمهور كبير من اليهود فان «شبتاي تسيقـ.ـى» هذا ما لبث أن أعلن إسلامه أمام السلطان محمد الرابع العثماني (1645 ـ 1687 م)، كما أعلن إسلام زوجته، فأسماه السلطان بمحمد أفندى، و أسمى زوجته بفاطمة، و لكن محمد افندى، و قد أتقن العربية و التركية و درس القرآن، كان يصرح امام خواصه بأنه «المخلّص» الذي تحدثت عنه التوراة، و أن إسلامه ليس سوى ستار يختفي وراءه!
و من المعروف أن كافة هذه الحركات قد باءت جميعا بالفشل، كما فشلت مثيلاتها في التاريخ الاسلامي لدى أدعياء «المهدوية» الكاذبة.

«سفر إشعياء» و التحريف
و لكن الملاحظة الأهم في حركة الخلاص الكاذب لدى اليهود، و لا سيما بعد «شبتاى تسيقـ.ـى»، هي التركيز على «سفر إشعياء» و إعادة تفسير بعض فقراته التي تتضمن فكرة الخلاص و تشير إلى أوصاف المخلّص، و من ذلك الفقرة الخامسة من الاصحاح الثالث و الخمسين من سفر إشعياء و التى تقول: «هو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثمنا» إشعياء، 53/5
ففسروا كلمة مجروح على أنها تعني «مدنّسا». و قالوا بأن هذه الفقرة تشير إلى أن كل الأمم الأخرى هي أمم مدنسة، أما إسرائيل فهي الأمة الوحيدة المقدسة..!
و ليس من المستبعد هنا أن نقول بأن تلك الحركات اليهودية اصطدمت في تلك الأثناء بالتيار الفكرى الاسلامي فيما يتعلق بالموعود المنتظر، فلما اتضح زيفها فانها سعت إلى النيل من نفس الفكرة في التراث و الدين الاسلامي فوسمت «المخلّص» و أمته معا بالتدنيس، و هو ما يكشف عن بعد آخر في تحريف التوراة يتمثل هذه المرة في المعنى و المضمون و التفسير بعد تعسر التحريف اللفظي جراء انتشار حركة الطباعة.
و لا يسعنا أخيرا إلا القول بأن ثمة أفاقا أخرى كان يمكن أن ينفتح عليها هذا البحث لولا ضآلة الفرصة و ضيق الوقت، و هو ما نتركه مُشرعا أمام الباحثين الأعزاء.

تنويه
كما لا يفوتنا التنويه بأن هذا البحث، بما فيه من رؤى و وجهات نظر واستنتاجات، يبقى دائما رهن البحث حتى تخرج شمس الحقيقة من خلف السحاب فتملأ الأرض نورا و إشراقا و قد حملت في عطفيها الحقيقة المطلقة في عصر الظهور الحقيقى و يوم الخلاص المرتقب و فجر الوعد الموعود.

المصادر العربية
ـ د. حسن ظاظا، الفكر الديني الاسرائيلي، القاهرة، 1971.
ـ سبتينو موسكاتي، الحضارات السامية القديمة، ترجمة د. يعقوب بكر، دار الكتاب العربي، 1968.
ـ الأب طانيوس منعم، خطر اليهودية الصهيونية على النصرانية و الاسلام، مؤسسة موتاشا، بيروت.
ـ د. عبدالوهاب المسيري، العنصرية الصهيونية، بغداد، 1979.
ـ كامل سليمان، يوم الخلاص، بيروت، 1982، الطبعة الرابعة .
ـ الكتاب المقدس، القاهرة، 1982.
ـ د. محمد بحر عبدالمجيد، اليهودية، القاهرة، 1978.
ـ د. منى ناظم، المسيح اليهودي، أبوظبي، 1986.
ـ البشارات (نشرة)، العدد الأول، قم، شوال 1419.
ـ الاختصاص، ص 208 ; البحا ر، ج 51 ، ص 91 و ينابيع المودة، ج 3، ص 93.
ـ بشارة الإسلام، ص 59 و سواها، إلزام الناصب، ص 251 ـ 252; ينابيع المودة، ج 3، ص 166، 109 و مصادر أخرى .
ـ عيون أخبار الرضا، ج2 ، ص 60 و منتخب الأثر، ص 143.
ـ الحاوى للفتاوى، ج 2، ص 153 و منتخب الأثر، ص 478 .
ـ البيان، ص 73 ; الملاحم و الفتن، ص 57 ; بشارة الاسلام، ص 280، 290 و سواها .
ـ البحار، ج 51، ص 75 ; الملاحم و الفتن، ص 56 ; الغيبة، ص 114 و غيرها بألفاظ مختلفة.
ـ إلزام الناصب ،ص 176 ; البحار، ج 52، ص 224 ـ 225 بألفاظ مختلفة
ـ نهج الفصاحة، ج 1، ص 45 .

المصادر الأجنبية
ـ دائرة المعارف العبرية، الجزء الأول، آخر الأيام (مقالة).
ـ دائرة المعارف المقرائية، المسيح و المسيحانية (مقالة).
ـ دائرة المعارف اليهودية، المجلد الخامس.
ـ ى. ل. جوردون، تفسير العهد القديم، سفر إشعياء، تل أبيب، 1946.

لاهوت المسيح فى الكتاب المدنس رؤية نصرانية !!

ـ لاهوت المسيح.
لا بدّ للباحث في المسيحيّة، أن يقف أمام عدد من القضايا الخطيرة. ولعلّ أخطرها لاهوت المسيح. وأعني بكلمة لاهوت المسيح، اعتقاد المسيحيّين بأنّ يسوع، الذي وُلِد من مريم العذراء في فلسطين، وعاش على أرضنا ردحاً من الزمن، هو ابن الله والله الابن.
قد يبدو هذا الاعتقاد صعباً لكثيرين، إلاّ أنّ الصعوبة لا تضير المسيحيّة في كونها ديناً واحداً صحيحاً، لأنّ اعتقاد المسيحيّين لا يستلزم وجود سابق ولاحق، وأكبر وأصغر، أو ما شابه ذلك. بل أنّ الله واحد، وإنّما أُعلن لنا بهذه الأسماء، لكي يُظهر ترتيب عمل الفداء.
وقبل الانطلاق في التأمّل في لاهوت المسيح، ينبغي أن نتوقّف قليلاً أمام الإعلانات المعروفة في الكتاب المقدّس عن أُبوّة الله للمسيح :

أ ـ إعلانات الآب : قال ملاك الله لمريم العذراء : هَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ العَلِيِّ يُدْعَى الإنجيل بحسب لوقا 1 : 31 و32.
وحين وُلد يسوع تمّت النبوّة القائلة في إشعياء وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً : هَا العَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابناً وَتَدْعُو ا سْمَهُ عِمَّانُوئِيل إشعياء 7 : 14 والإنجيل بحسب متّى 1 :23.
فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ المَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللّهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً : هذَا هُوَ ابنِي الحَبِيبُ الذِي بِهِ سُرِرْتُ الإنجيل بحسب متّى 3 : 16-17.
فيما كان يسوع مع ثلاثة من تلاميذه على جبل حرمون، تكلّم مع موسى وإيليّا وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً : ه ذَا هُوَ ابنِي الحَبِيبُ الذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ ا سْمَعُوا الإنجيل بحسب متّى 17 :5.

ب ـ إعلانات المسيح، قال المسيح في أحد أمثاله : أَنَا الكَرْمَةُ الحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الكَرَّامُ الإنجيل بحسب يوحنّا 15 :1.
وقال أيضاً : خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلَا يَخْطَفُهَا أَحَدٌ,,, مِنْ يَدِ أَبِي الإنجيل بحسب يوحنّا 10 : 27-29.
وقال في خطابه الوداعيّ : إِنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي. وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بالابْنِ الإنجيل بحسب يوحنّا 14 :12 و13.
وحين افتخر اليهود أمام المسيح بكون موسى أعطاهم المنّ في البرّيّة، قال لهم : ا لْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ : لَيْسَ مُوسَى أَعْطَاكُمُ الخُبْزَ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ أَبِي يُعْطِيكُمُ الخُبْزَ الحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ الإنجيل بحسب يوحنّا 6 :32.
وقال لآخرين : الْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ : لَا يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلَّا مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لِأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَه ذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ. لِأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. لِأَنَّ الآبَ لَا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلِابْنِ، لِكَيْ يُكْرِمَ الجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لَا يُكْرِمُ الابْنَ لَا يُكْرِمُ الآبَ الذِي أَرْسَلَهُ الإنجيل بحسب يوحنّا 5 :19-23.
اَلْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ : إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابنِ اللّهِ، والسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ الإنجيل بحسب يوحنّا 5 :25.
ا لْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ : إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. والعَبْدُ لَا يَبْقَى فِي البَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً الإنجيل بحسب يوحنّا 8 :34-36.
وقال في حوار مع آخرين : أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ. فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ اليَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللّهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ باللّهِ الإنجيل بحسب يوحنّا 5 :17-18.
وقال لسامعيه ذات يوم : كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلَّا الآبُ، وَلَا أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلَّا الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ. تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ المُتْعَبِينَ والثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ الإنجيل بحسب متّى 11 :27-28.
حين نتأمّل هذا الإعلان بعمق، يظهر لنا أنّه لا إنسان عاديّ، ولا نبيّ رسول، ولا ملاك من السماء، ولا رئيس ملائكة، يستطيع أن يدرك سرّ شخص يسوع المسيح العجيب كما قال إشعياء النبيّ. وهذا يعني صراحة أنّ طبيعة المسيح غير محدودة، بحيث لا يقدر أحد أن يدركه إلاّ الآب. ويقيناً لو أنّ المسيح مجرّد إنسان عادي، لما صحّ أن يقول هذا القول. وممّا لا ريب فيه، أنّ هذا الإعلان المجيد جدّاً يعلّمنا أنّ من وظيفة المسيح باعتبار وحدته أزليّة مع الآب، أن يعلن لنا هذا الآب الذي وُصِف باللامنظور.
قد يبدو هذا الإعلان الذي صرّح به المسيح كلغز صعب الفهم. ولكنّ الروح القدس ألهم البشير يوحنّا، ليوضحه لنا في سلسلة من الآيات، أبرزها : اَللّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. الابْنُ الوَحِيدُ الذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ الإنجيل بحسب يوحنّا 1 :18. هذه الآية تؤكّد لنا أنّ أحداً من الناس والملائكة، لم يرَ الله أو يعرفه المعرفة التي تجعله يُلمّ بصفاته الإلهيّة. وإنّما يستطيع أن يبلّغ الناس ما أُعلِن له بالوحي أو بالرؤيا. فموسى وغيره من الأنبياء لم يروا الله. ولكنّهم تلقّوا الإعلانات بالوحي، وكان مصدرهم الأقنوم الثاني لله، الذي هو يسوع المسيح ابن الله, فهو وحده يعرف أفكار الله المثلّث الأقانيم ومقاصده من تلقاء نفسه لأنّه هو الله الذي ظهر في الجسد 1تيموثاوس 3 :16.
حين قال يسوع لتلاميذه : أنا والآب واحد. مَن رآني فقد رأى الآب. أنا في الآب والآب فيّ كان يؤكّد لهم الوحدة بينه وبين أبيه. أي أنّه والآب واحد في الجوهر والمجد والمقام والقدرة والمشيئة والقصد.

3 ـ شهادة الرسل
شهادة بطرس : حين سأل يسوعُ تلاميذه مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ : أَنْتَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ اللّهِ الحَي الإنجيل بحسب متّى 16 :15 و16.
شهادة يوحنّا : وَنَعْلَمُ أَنَّ ابنَ اللّهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الحَقِّ فِي ابنِهِ يَسُوعَ المَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الحَقُّ والحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ 1 يوحنا 5 :20.
شهادة بولس : وَل كِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللّهُ ابنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ غلاطية 4 :4 و5.

4ـ شهادة الأنبياء
سليمان الحكيم : مَن صَعِدَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَن جَمَعَ الرِّيحَ في حُفْنَتَيْهِ؟ مَن صَرَّ المِيَاهَ في ثَوْبٍ؟ مَن ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْضِ؟ مَا ا سْمُهُ وَمَا ا سْمُ ابنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ نَقِيَّةٌ. تُرْسٌ هُوَ لِلْمُحْتَمِينَ بِهِ أمثال 30 :4-5.
دانيال : كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى القَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ والأُمَمِ والأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لَا يَنْقَرِضُ دانيال 7 :13 و14.
يوحنّا المعمدان : أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ : لَسْتُ أَنَا المَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ.,, اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الجَمِيعِ، وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا.,, اَلْآبُ يُحِبُّ الابْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بالا بْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، والَّذِي لَا يُؤْمِنُ بالا بْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللّهِ الإنجيل بحسب يوحنّا 3 : 28-36.
بعد الاستشهاد بهذه الآيات، يجدر بنا أن نذكر أنّ المسيح دُعي ابن الله باعتبار كونه الأقنوم الثاني لله. ولهذا يجب أن يكون معلوماً، أنّ لفظة آب وابن بالنسبة للعقيدة المسيحيّة بعيدة كلّ البعد عن المعنى المُتداول في الأُبوّة والبُنوّة البشريّتَين.
وقد سُمّي الابن في الكتاب المقدّس بالكلمة، وبصورة الله غير المنظور، وبهاء مجد الله ورسم جوهره، وعمّانوئيل الذي تفسيره الله معنا. وكلّ هذه الألقاب توضح لفظة ابن. كما أنّ الكلمة توضح الفكر، وتعلن ما هو عند العقل، هذا الكلمة المتجسّد أعلن الله وأوضح فكر الله للبشر. وكما أنّ الرسم يمثّل الهيئة، هكذا يسوع يمثّل الله. وكما أنّ ضوء الشمس يبيّن بهاءها وهو من جوهرها، هكذا يسوع بهاء مجد الله يبيّن أمجاد اللاهوت الروحيّة. ولكنّه من فرط محبّته استتر برداء الجسد مدّة وجوده في دنيانا، حتّى نستطيع أن نراه ونسمعه.
ممّا تقدّم، نعلم أنّ الابن هو العامل في إعلان اللاهوت، كما أنّه الواسطة لإعلان الله لوجدان الإنسان بطريقة حسّيّة. وكذلك الروح القدس، الأقنوم الثالث، هو الواسطة لإعلان الله لضمير الإنسان، حتّى أنّنا لا ندرك كنه الإعلان بدون فعل الروح القدس، الذي يرشدنا لإدراك أسرار الإعلانات الإلهيّة. وبوحي من هذه الحقيقة، قال الرسول بولس : وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ : يَسُوعُ رَبٌّ إِلَّا بالرُّوحِ القُدُسِ 1 كورنثوس 12 :3.
قد تثير كلمة ابن اضطراباً ذهنيّاً عند البعض، إذ يتصوّرون على الفور بمقارنتها بكلمة آب، أنّ الآب أسبق زمنيّاً من الابن، وأنّ هناك فارقاً زمنيّاً ومركزيّاً بينهما. ولكنّنا نحبّ التأكيد ههنا أنّ كلمة ابن الله لا يمكن أن تشير في قليل أو كثير إلى معنى عدم المساواة أو التلاحق الزمنيّ. وذلك لأنّ كلمة الآب نفسها عندما تُطلَق على الله لا يمكن أن تقوم بالدليل المقابل إلاّ إذا وُجِد الابن.
يعلّمنا الكتاب المقدّس أنّ الله منذ الأزل يُلقَّب بالآب. وهذا اللقب آب يحتّم بالضرورة وجود الابن منذ الأزل. ولعلّ منشأ الخلط والتخبّط في موضوع المساواة، الذي يقع فيه معظم الناس يعود إلى أسبقيّة الآباء على الأبناء، وعلى أساس الفارق الزمنيّ بين الاثنين. ولكنّ التعبير الأدقّ والأصحّ، أنّ أحداً لا يستطيع أن يكون أباً إلاّ من اللحظة التي يوجد فيها الابن. فالفارق الزمنيّ في هذا الموضوع خياليّ موهوم بالنسبة إلى الله وابنه يسوع المسيح. فإذا أُضيف إلى هذا أنّ الله لا يلد ولا يولد، كما يفهم الناس معنى الولادة في الأرض، كان علينا أن ندفع عن الله عزّ وجلّ هذا المعنى، لنتصوّر معاني أخرى أقرب إلى الفهم.
فنحن نقول هذا ابن الحقّ وذاك ابن النور إشارة إلى التماثل التامّ بينه وبين الحقّ، أو بينه وبين النور. وبهذا المعنى دُعي المسيح ابن الله، للتماثل الأزليّ التامّ القائم بين الآب والابن في ذات الله الواحد. وقد دُعي المسيح كذلك لأنّه هو الإعلان الوحيد الكامل الأزليّ عن ذات الله للناس. أو كما نقرأ في الرسالة إلى العبرانيّين 1 :1-2 : اَللّهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابنِهِ. ويُقرأ في الإنجيل بحسب يوحنّا 1 :14 أنّ يسوع أعلن مجد الآب، إذ يقول : وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً.

8 ـ لاهوت المسيح وناسوته
مَن يقول الناس إنّي أنا؟ هذا السؤالطرحه يسوع على تلاميذه منذ عشرين قرناً. وهو سؤال له من الخطورة ما جعله يتردّد على الألسنة إلى يومنا هذا. ولعلّه أعظم سؤال خرج على بساط التاريخ، لأنّه أدقّ وأخطر الآثار في المجموع البشريّ. وسيبقى هذا السؤال ما بقي الزمان، الفيصل الحاسم بين مختلف المذاهب والعقليّات والمدنيّات والحضارات. وعلى الإجابة عليه يتحدّد موقف كلّ إنسان تحديداً قاطعاً شاملاً.
من امتيازات المسيحيّة أنّها لا تفزع ولا تضطرب ممّا يُقال عن المسيح سيّدها، الذي شيّد صروحها على القوّة، وجعلها ثابتة بحيث لا تقوى أبواب الجحيم عليها. والمسيح نفسه شجّع الحرّيّة الفكريّة في أقصى مداها. ولم يُعرَف عنه أنّه أرغم أو أمر إنساناً أن يعتنق مبدأً، أو يفعل شيئاً لم يرده هذا الإنسان، أو يرغب فيه.
كما أنّ المسيحيّة، في كلّ تاريخها الطويل، لم تقبل إيماناً من الناس بشخص المسيح مبنيّاً على أسنّة الرماح، بل ما كان منطلقاً من اليقين الكامل المسيطر على القلب والفكر معاً. وانطلاقاً من هذا المبدأ نقول اليوم إنّنا لا نرغب في أن يؤمن الناس بلاهوت المسيح قسراً، أو يعتنقوا سلفاً رأياً ويتعصّبون له، ويبغضون أن يسمعوا رأياً خلافه. بل نبسط أمام الملأ شتّى الآراء، التي قيلت عن المسيح وسنناقش غثّها وسمينها، بكلّ رويّة، حتّى نصل أخيراً إلى الرأي الصحيح والفكر السديد :

1 ـ اللاهوت الكامل : لعلّ من أغرب الآراء ما نادى به الغنوسيّون الذين أنكروا فكرة التجسّد بالمعنى المتداول بين جمهرة المسيحيّين. فهؤلاء أقرّوا لاهوت المسيح ولم يعترفوا بناسوته. وقد قالوا إنّ المسيح ظهر في هيئة إنسان، دون أن تكون له حقيقة جسد الإنسان. وأنّه لم يولد ولم يتألّم ولم يمت بالحقيقة، لأنّ جسده كان طيفاً أو خيالاً تراءى للناس. وقال فريق منهم إنّ جسد المسيح لم يكن مادّيّاً كباقي أجساد الناس، ولكنّه كان جوهراً خاصّاً سماويّاً.
بيد أنّ هذا الرأي، لم يثبت أمام الحقيقة التي جاءت في الكلمة الموحى بها من الله. إذ نقرأ في 1 يوحنّا 4 :1-3 : أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لَا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امتَحِنُوا الأَرْوَاحَ : هَلْ هِيَ مِنَ اللّهِ؟ لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى العَالَمِ. بِه ذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللّهِ : كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ المَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللّهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لَا يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ المَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ المَسِيحِ الذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، والْآنَ هُوَ فِي العَالَمِ.

2 ـ الناسوت فقط : هذا الرأي لا يقل غرابة عن الرأي السابق، لأنّ أصحابه ينادون بناسوت المسيح دون لاهوته. إذ يقولون إنّ المسيح هو الإنسان الكامل، أي أنّه أعظم إنسان على الأرض. وتبعاً لذلك، يجب أن يُكرَم كأعظم قائد وأروع وأمجد بطل وشهيد.
ولعلّ أروع جواب يفنّد رأي هؤلاء المبدعين هو قول الدكتور ز. كونراد حين قال : إنّ هؤلاء يخطئون تماماً في ما انتهوا إليه من رأي، إذ لا يمكن أن نجعل المسيح حتّى قائداً أو بطلاً، بعد أن رفضوا ما أقرّه هو لنفسه. إذ لا يعدو في هذه الحال إلاّ أن يكون المسيح واحداً من اثنين : إمّا المخادع الأكبر، أو المخدوع الذي يحتاج إلى الرثاء. وحينئذٍ يصبح من السخف أن نعطيه أيّ مركز من الكرامة. والواقع أنّ المسيح إن لم يكن مستحقّاً للعبادة، فهو لا يستحقّ أدنى حظّ من الاحترام، لأنّه قد طلب لنفسه العبادة والإجلال، الأمر الذي لا يمكن أن يبرّره إن لم يكن إلهاً.

3 ـ اتّحاد اللاهوت والناسوت في شخص المسيح :
هذا هو الرأي الصحيح وقد عاش في الكنيسة، وكُتِب له الانتصار والسيادة والعموميّة. ونادت وما زالت تنادي به القوانين الكنسيّة في كلّ العالم وكلّ الأجيال والعصور. وخلاصة هذا الرأي أنّ المسيح ذو طبيعتَين كاملتَين، إذ هو إله تامّ وإنسان تامّ.
ولربّ سائل يقول : ما هي الدوافع والأسباب التي حدت بالناس والمجامع الكنسيّة إلى الإيمان بلاهوت المسيح؟ وكيف أُتيح لهذه الدوافع أن ترقى وتتأصّل في الأذهان حتّى تبلغ مبلغ العقيدة التي يحيا الناس من أجلها ويستشهدون في سبيلها؟ لماذا يؤمن الناس بلاهوته؟ وما هي الأدلّة الدامغة القاطعة التي عليها يستندون، وفيهم من أعظم جبابرة الفكر البشريّ، وخلاصة عباقرة الناس في كلّ جيل وعصر؟
هذه الأسئلة لا بدّ من الإجابة عليها، قبل أن نؤمن، أو نقنع الناس بصحّة إيماننا بلاهوت المسيح وتجسّده. وهذا بلا ريب يقتضينا أن نقدّم الأدلّة القاطعة في هذا الموضوع :
أوّلاً : الدليل المُستمدّ من النبوّات : فالنصوص العديدة المتواترة، قد امتدّت من أوّل التاريخ، حتّى أسفار العهد القديم. وذلك خلال أربعة آلاف سنة. وهذه النصوص لا يمكن أن يُتَّهَم المسيحيّون باصطناعها أو تأويلها، لأنّها كُتِبَت في سجلاّت الوحي، قبل المسيحيّة. وقد كُتِب آخرها قبل تجسّد المسيح بما يقرب الأربع ماية سنة. ومجمل ما تصرّح به تلك النصوص أنّ شخصاً إلهيّاً سيأتي من السماء، لابساً الطبيعة البشريّة، ليكون مخلِّصاً للعالَم. وأنّ ذلك الشخص يكون من نسل المرأة. ويأتي من ذرّيّة إبراهيم، وعلى وجه التحديد من سبط يهوذا وبيت داود، مولوداً من عذراء، بلا عيب ولا دنس. وأنّه يولد في بيت لحم، مدينة داود. وهو في الوقت ذاته الإله القدير السرمديّ الأبديّ. وهذا لا يمكن أن يتمّ إلاّ بالتجسّد واتّحاد اللاهوت بالناسوت. والنصوص التي تؤكّد هذه الحقيقة عديدة، لذلك أوردُ في ما يلي أظهرها وأوضحها :
من نبوّة إشعياء : لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابناً، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ا سْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ السَّلَامِ إشعياء 9 :6.
ومن نبوّة إشعياء أيضاً : هَا العَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابناً وَتَدْعُو ا سْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ إشعياء 7 :14. وقد فسّر الوحي كلمة عمّانوئيل بالقول الله معنا الإنجيل بحسب متّى 1 :23.
من المزامير : قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي : ا جْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ مزمور 110 :1. هذا التعبير عظيم جدّاً ولا يمكننا أن نجد له تفسيراً من غير الإيمان بالمخاطبة الأزليّة بين الآب والابن، والإيقان بأنّ الله هو المتكلّم بها.
من نبوّة ميخا : أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ القَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ ميخا 5 :2.
ثانياً : الدليل المُستمدّ من أقوال المسيح : قال رجل الله الواعظ الشهير سبرجن : المسيح هو الحقيقة المركزيّة العظمى في تاريخ العالم، إذ يبدو إزاءه كلّ شيء إلى الأمام أو إلى الخلف وكلّ خطوط التاريخ تتلاقى عنده، وكلّ مواكب العناية تسير وفقاً لإرادته، وكلّ أغراض الحياة العظمى تتمّ في شخصه. فإذا أُضيف إلى هذا كلّه معجزاته وروعة أعماله الشاهدة على صدق كلّ حرف أو كلمة فاه بها، تعيّن التسليم بالدليل القطعيّ والحجّة الدامغة المُستمدّة من أقواله. وقد نسب المسيح إلى نفسه عشرين حقيقة على الأقلّ، لا يمكن أن تُنسَب، إلاّ لله وحده. ومن أهمّ هذه الحقائق :
الأزليّة : ولعلّ هذا من أخطر ما صرّح به، إذ قال لرجال الدين اليهود : قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ الإنجيل بحسب يوحنّا 8 :58. وقوله أنا كائن هو ذات الاسم الذي أطلقه على نفسه، حين سأله موسى : بماذا أجيب إذ قال الشعب ما اسم الله الذي أرسلك إلينا؟ فقال له : أَهْيَهِ الذِي أَهْيَهْ خروج 3 :13-14. وهذا يفيد أنّ المسيح يرى في شخصه ذات الإله القديم الذي ظهر لموسى في العليّقة على جبل حوريب.
وكذلك جاء في الإنجيل بحسب يوحنّا 17 : 5 و24 إنّ المسيح قال في صلاته الشفاعيّة : وَالْآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بالمَجْدِ الذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ العَالَمِ، لِأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ العَالَمِ. فهذه الكلمات تؤكّد أزليّة المسيح وتقطع كلّ الألسنة، التي تزعم أنّ المسيح مُحدَث.
المجيء من السماء : في حواره مع جماعة من اليهود، قال يسوع : أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ، أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هذَا العَالَمِ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هذَا العَالَمِ الإنجيل يوحنّا 8 :23.
وفي حديثه مع الرئيس نيقوديموس، قال : وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا الذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ الإنجيل بحسب يوحنا 3 :13.
وقال في سفر الرؤيا : أَنَا الأَلِفُ واليَاءُ، الْبِدَايَةُ والنِّهَايَةُ، الْأَوَّلُ والآخِرُ رؤيا 22 :13.
ونلاحظ هنا أنّ يسوع يتحدّث ليس فقط عن مجيئه من السماء، بل أيضاً عن وجوده في السماء وهو على الأرض.
الحضور في كلّ مكان وزمان : قال : لِأَنَّهُ حَيْثُمَا ا جْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ الإنجيل بحسب متّى 18 :20. وقال لتلاميذه بعد قيامته : فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحِ القُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَاأَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انقِضَاءِ الدَّهْرِ الإنجيل بحسب متّى 28 :19-20.
القدرة الغير المحدودة : قال عند ظهوره ليوحنّا في جزيرة بطمس : أَنَا هُوَ الأَلِفُ واليَاءُ، الْبَِدَايَةُ والنِّهَايَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ الكَائِنُ والذِي كَانَ والذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رؤيا 1 :8.

3 ـ الدليل المُستمدّ من ألقابه وأعماله الإلهيّة :
كونه خالقاً : كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الحَيَاةُ، والْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ الإنجيل بحسب يوحنّا 1 :3 ، 4. فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الكُلُّ : مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلَاطِينَ. الكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ كولوسي 1 :16. وَأُنِيرَ الجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ السِّرِّ المَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللّهِ خَالِقِ الجَمِيعِ بِيَسُوعَ المَسِيحِ أفسس 3 :9.
يقيم الأموات : فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى بَابِ المَدِينَةِ، إِذَا مَيْتٌ مَحْمُولٌ ابنٌ وَحِيدٌ لِأُمِّهِ، وَهِيَ أَرْمَلَةٌ وَمَعَهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ المَدِينَةِ. فَلَمَّا رَآهَا الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا : لَا تَبْكِي. ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ، فَوَقَفَ الحَامِلُونَ. فَقَالَ : أَيُّهَا الشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ قُمْ. فَجَلَسَ المَيْتُ وَابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ الإنجيل بحسب لوقا 7 :12-15.
لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً فَخَرَجَ المَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ : حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ الإنجيل بحسب يوحنّا 11 :43 ، 44.
ديّان كلّ العالَم : وَمَتَى جَاءَ ابنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ المَلَائِكَةِ القِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الخِرَافَ مِنَ الجِدَاءِ الإنجيل بحسب متّى 25 :31 ، 32.
لِأَنَّ الآبَ لَا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلِابْنِ الإنجيل بحسب يوحنّا 5 :22.
تحقّ له العبادة : لِكَيْ يُكْرِمَ الجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لَا يُكْرِمُ الابْنَ لَا يُكْرِمُ الآبَ الذِي أَرْسَلَهُ الإنجيل بحسب يوحنّا 5 :23.
وعبادة الابن مع الآب، كانت معروفة لدى رجال الله في العهد القديم فقد قال داود : ا عْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. قَبِّلُوا الابْنَ لِئَلَّا يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ مزمور 2 :11، 12.
يغفر الخطايا : كان اليهود يوقنون على الدوام أن لا أحد يملك غفران الخطايا إلاّ الله وحده. لهذا انذهلوا حين وقفوا أمام إحدى عجائب يسوع، الذي قال للمفلوج : يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ ولما ثارت أفكارهم على تصرفه قَالَ لَهُمْ : لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِه ذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ : أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ : قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟ وَل كِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِا بْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا قَالَ لِلْمَفْلُوجِ : لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ َا ذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ. فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ الكُلِّ، حَتَّى بُهِتَ الجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللّهَ قَائِلِينَ : مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هذَا قَطُّ! الإنجيل بحسب مرقس 2 :5-12.
يعطي الحياة الأبديّة : قال : خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ الإنجيل بحسب يوحنّا 10 :27-28 ,
مساوٍ للآب : قال : أَنَا والآبُ وَاحِدٌ الإنجيل بحسب يوحنّا 10 :30 اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ والآبَ فِيَّ، وَإِلَّا فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا الإنجيل بحسب يوحنّا 14 :9 و11.
قَبِل السجود والتعبُّد : ليس من شكّ في أنّ المسيح قَبِل السجود والتعبّد، ممّا لا يجوز لمخلوق على الإطلاق أن يقبلهما. وقد حدث هذا مع الرجل المولود أعمى. فلمّا سأله المسيح : أتُؤْمِنُ بِابْنِ اللّهِ؟ أَجَابَ : مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لِأُومِنَ بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ : قَدْ رَأَيْتَهُ، والَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ. فَقَالَ : أُومِنُ يَا سَيِّدُ. وَسَجَدَ لَهُ الإنجيل بحسب يوحنّا 9 :35-38.

4ـ الدليل المُستمدّ من شهادة التلاميذ :
فشهادة التلاميذ، الذين عاينوا مجده قدّموا شهادة صريحة ناجزة لا شُبهة فيها، وهاكم بعضها على سبيل المثال، لا سبيل الحصر :
توما : فهذا التلميذ بعد القيامة حين لمس أثر المسامير في يديه ورجليه ووضع أصبعه على جنبه الذي طُعِن بالحربة، سجد له وقال : رَبِّي وَإِلهِي الإنجيل بحسب يوحنّا 20 :28.
يوحنّا : قال هذا التلميذ المُلهَم : وَنَحْنُ فِي الحَقِّ فِي ابنِهِ يَسُوعَ المَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الحَقُّ والحَيَاةُ الأَبَدِيَّة 1 يوحنّا 5 :20.
بولس : قال هذا الرسول في كرازته : وَمِنْهُمُ المَسِيحُ حَسَبَ الجَسَدِ، الْكَائِنُ عَلَى الكُلِّ إِلهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ رومية 9 :5.