الأحد، 5 يوليو 2009

الطريق الى الله الجزء الرابع والاخير

المفهوم الشامل للقوة في الإسلام
والقوّة ليست ذلك ، ولكنَّها قوّة العقيدةِ والخلُق، القوّةُ في العبادةِ والسّلوكِوالجِسم والعِلم والصّناعة والتّجارة. تلك القوّةُ التي تتَّجه بجهدالإنسانِ إلى الخير وتقودُه إلى الرَّحمة، وتجعَل منه أداةً يحِقّ اللهبها الحقَّ ويبطِل الباطِل.
العقيدة أهم عناصر القوةومِن أهمِّ عناصر القوةِ قوّةُ العقيدة ورسوخُ الإيمان، فصاحِبُ العقيدة القويّة يؤمن بالله، يتوكَّل عليه، يعتقد أنّه معه حيث كان، تراه تاليًا للقرآنِ ذاكرًا لله تعالى , ومِن أسرارقوّةِ العقيدة أنّه لا يستطيعُ إنسانٌ كائنًا من كان أن يمنعَك من رِزق كتبه الله لك، ولا أن يعطيَكَ رِزقًا لم يَكتُبه الله إليك، بهذا ينقطِع حبلُ اللجوءِ إلى أغنياءِ الأرض وأقويَائِها، ويتَّصِل العبد بحبلِ اللهالمتينِ، فهو المعطِي المانع والرَّزّاق ذو القوّة المتين ، يقول رسول اللهلابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما: ((يا غلام، إني أعلِّمُك كلمات: احفظِ اللهَيحفظْك، احفَظِ الله تجِدْه تجاهَكَ، إذا سألتَ فاسْألِ اللهَ، وإذااستعنتَ فاستعِن بالله، واعلم أنّ الأمةَ لو اجتمَعت على أن ينفعوك بشيءٍلم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لميضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ وجفَتِ الصحف(رواه الترمذي). ولِقوّةِ العقيدةِ قال رسول الله لعمرَ بنِ الخطاب رضي اللهعنه: ((والذي نفسي بِيَده، ما لقِيَك الشيطان سالِكًا فجًّا قطُّ إلاّسلَك فجًّا غيرَ فجِّك)) رواه البخاري. وهذه فضيلة عظيمةٌ لعمرَ رضي الله عنه تقتضِي أنّ الشيطانَ لا سبيلَ له عليه لقوّةِ إيمانه، لا أنّ ذلك يقتضي وجودَ العِصمة.وبقوّة العقيدةِ والإيمان جعلَ الله لرسوله من الضعفِ قوّةً، والقِلّة كثرةً، ومنَ الفقر غِنى ، لقد كان فَردًا فصارأمّةً، وكان أمّيًّا فعلَّم الملايين ، وكان قليلَ المال فصار بالله أغنى الأغنياءِ، قال الله تعالى:" أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَضَالاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى" [الضحى:6ـ8].
قوة الصبر والجلدالمؤمِنُ القوِيّ يتماسَك أمامَ المصائبِ ويثبُت بين يدَيِ البلاء راضيًا بقضاء الله وقدَره، وقد صوَّر هذا رسولُنا بقوله: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنَّأمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاّ للمؤمن؛ إن أصابته سرّاءُ شكَر فكانخيرًا له، وإن أصابَته ضرّاء صبرَ فكان خيرًا له)) رواه مسلم.قوة العبادةوالقوّةُفي العبادةِ بالمحافظة على الفرائِض والاجتهادِ في الطاعات والتّنافس فيالخيرات والتقرُّب إلى الله، فلا يمدّ يدَه إلاّ إلى الحلال، ولا يعيشُ إلا في الطاعَةِ والرّضوان، لقد كان رسولُ الله يقوم حتى تفطَّرت قدَماه،لا يتركُ قيامَ الليل، وكان يتصدَّق بكلِّ ما عِنده.قوة الأخلاقوالقوّة في الأخلاقِ، لقد فتحَ المسلمون الأوائِل بعضَ البلدان بقوّةِ الأخلاق دون أنتتحرَّك جيوشٌ أو تزَلزَل عُروش، وبعضُ المسلمين اليومَ جمَع من العلمِ فأوعَى وخلاَ من الخُلُق الأوفى.القوّةُ في الأخلاق دليلُ رسوخِا الإيمان، فإلقاءُ السلام عبادةٌ، وعِيادة المريض عِبادة، وزِيارة الأخِ فيالله عِبادة، وتبسُّمك في وجهِ أخيك صدقة , ومن القوّة ثَبات الأخلاقِ ورُسوخ القِيَم في الفرَح والشِدّة والحزن والألم، مع الصّديقِ والعدوِّوالغنيِّ والفقير، قال تعالى:" وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [المائدة:8]. ومن وصايَا رسول الله لمن أراد الغزوَ أن لا يقتُلوا طِفلاً ولا امرأةً ولاشَيخًا كبيرًا. رواه أبو داود.لقد فعَل مشرِكو مكّةَ برسولِ اللهما فعلوا، آذَوه وحاصَروه، واتَّهموه وكذَّبوه، أخرجوه ثم شهَروا سيوفَهمليقتلوه. وتمرّ السّنون، ويعود رسولُ الله إلى مكّةَ فاتحًا متواضِعًا لله متذلِّلاً، ويقول لأولئكَ الذين فعَلوا ما فعلوا: ((ما تظنّون أني فاعلٌبكم؟)) قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: ))اذهبوا فأنتم الطّلَقاء((إنّهانتصارِ المبادِئ ورسوخُ القِيَم والقوّة في الأخلاق، وحاشا رسولَ الله أنينتقِمَ لنفسِه أو يثأرَ لشخصِه، وفي الحديث: "وما انتقَمَ رسول اللهلنفسِهِ إلاّ أن تنتَهَك حرمةُ الله فينتقمَ لله بها". رواه البخاري. وفيعالمنا اليومَ من تنتفِخ أوداجُه وتحمرّ عيناه ويصيبه الأرَق والقلَق ولايهدَأ روعُه حتى يثأرَ لنفسِه وينتقِمَ لشخصِه المبجَّل، لكنّه لا يحرِّك ساكنًا ولا يشعُر قلبه امتِعاظًا إذا انتُهِكت محارمُ الله

قوة الإرادةوالقوّةُ في الإرادَةِ بمغالبة الهوَى والاستعلاءِ على الشهوات، قال تعالى:" وَلاتَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ "[ص:26]. وفي سيرةِ نوحٍ عليه السلام ترى قوّةَ العزيمة والإرادَةِ وهو يسير في دعوتِه ليلاًونهارًا، سِرًّا وجهارًا، يمرّ عليه قومُه وهو يصنَع السفينة، فيُلقُون على سمعه عباراتِ التهكّم والسّخريةِ، فلم تهن عزيمتُه ولم تضعُف إرادَته ؛ لأنه كان واثِقًا بنَصر الله، مطمئنًّا إلى وعدِه سبحانه، قال الله تعالى:" وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوامِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَاتَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِوَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ [هود:38، 39].قالَ ابن القيِّم رحمه الله: "اعلَم أنَّ العبد إنما يقطَع منازلَ السيرِ إلى اللهبقلبه وهمّتِه لا ببدنِه، والتقوى في الحقيقةِ تقوَى القلوب لا تقوَى الجوارح.فالكيِّسُ يقطَع من المسافَةِ بصحَّةِ العزيمة , وعلُوِّ الهِمّة وتجريدِ القصد وصحّةِ النية مع العملِ القليل أضعافَ أضعافِ ما يقطعه الفارغُ من ذلك مع التّعَب الكثير والسّفَر الشاقّ، فإنّ العزيمةَ والمحبّة تذهِب المشقّةَ وتُطيِّبالسير، والسّبقُ إلى الله سبحانه إنما هو بالهِمَم وصِدقِ الرّغبة،فيتقدّم صاحبُ الهِمّة مع سكونِه صاحبَ العمل الكثيرِ بمراحل، فإن ساواه في همّته تقدّمَ عليه بعَمَلِه" انتهَى كلامه رحمه الله.الذلُّ قبيح، وفي قَبوله هَلاك
الذلُّ قبيح، وفي قَبوله هَلاك، وحينَ يوضَعُ في موضِعِه الصحيحِ يُعتَبر قوّةًوعِزًّا، قال تعالى: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا "[الإسراء:24].قوة السيطرة على النفس وضبطهاالقوّة في ضبطِ النفسِ والسّيطرة عليها، قال : ((ليس الشّديدُ بالصّرعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسَه عند الغضب)) رواه البخاري.كظمُ الغيظِ قوّةٌ، قال تعالى:" وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ [آل عمران:134].القوة البدنية
تحصيلُا لقوّةِ البدنيّة من أهدافِ الشارع الكريم، وفي سبيلِها كان تحريمُالخبائث من الطّعام والشراب، كالخمرِ والميتة ولحمِ الخنزير، وفي سبيلهاكانت عِناية الإسلام برياضةِ البدَن، ومن أجلِ العافية حثَّ الإسلام على التداوِي وأمر بابتغاءِ العِلاج: ((تداووا فإنَّ الله لم يضَع داءً إلاّوضع له شفاءً ـ أو قال: دواءً ـ إلاّ داءً واحدًا))، قالوا: يا رسول الله،وما هو؟ قال: ((الهرَم)) رواه الترمذي وقد صارَع رسول الله ركانةَفصَرَعه، وكان ذلك سببَ إسلامه، وثبَتَ أنه رمَى بالقوسِ وطَعَن بالرّمح وتقلَّد السيفَ وركِب الخيل. كلُّ ذلك لتُسخَّر هذِه الأجسامُ في طاعةِالله وتُشغَل بالخيرِ وتُبعَد عن كلِّ ما هو محرَّم.عندما تثمر القوى قوى أخرىومع قوّةِالإيمان والأخلاقِ والجِسم تكون القوّةُ في العلم والمعارِفِ والمِهَن،والقوةُ في الجدِّ في مباشرةِ العمَل، وذلك باطِّراح الكَسَل جانِبًاوالخمول ظِهرِيًّا، ذلك العمَل الذي ينمِّي الإنتاجَ ويزيد الثّروَة ويحفظكراماتِ الأفراد ويصِل بالأمة إلى غايتِها من السّيادَةِ والقيادة.ولقدكان رسولُ الله يستعيذ من كلِّ أسباب ومظاهرِ الضّعف فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من العجزِ والكسَل)) رواه البخاريحاجة المسلم للقوةإنّ قوّةَ المسلم ضرورةٌ لا بدّ أن تتحقَّق؛ ليصدُق عليه وصفُ الإسلام وتكتمِلفيه دعائِم الإيمان، وحتى لا يصبِح المسلمون بضعفِهم وهوانهم فتنةً للناس،يصدّونهم عن السبيل، وتتداعى عليهِمُ الأكلَةُ كما تداعَى الأكلَة إلى قصعَتها.إنّه ينبغي أن لا يَنسَى العبد ربَّه مع مباشرةِ هذهالأسباب، فإنّ العوائقَ جمّة، والحاجة إلى عونِ الله وتوفيقِه في كلِّلحظةٍ وآن، وفي محكمِ التنزيل:" لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ"[الكهف:39]،قال عزّ وجلّ في دعاء نوحٍ بعد أن كذّبه قومه وبذلَ جميع الأسباب: "فَدَعَارَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ" [القمر:10]، وقال تعالى عن موسىعليه الصلاة والسلام في وصيّته لقومه بعد أن هدَّدَهم فرعونُ بقتلِأولادهم:" قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواإِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" [الأعراف:128]، وقال أيضًا عن وصية أخرى منموسَى لقومه:"وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ" [يونس:84]،وقال تعالى عن يوسفَ عليه الصلاة والسلام عندما تعرَّض لفتنةِ النساء": قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْالْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (يوسف)
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية